للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَيُفْهَمُ مِنْهُ الِاتِّحَادُ، فَإِنَّ الْإِلَهَ هُوَ الْمَعْبُودُ، فَإِذَا قِيلَ لَا مَعْبُودَ مَوْجُودٌ إِلَّا اللَّهُ لَزِمَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ عُبِدَ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ هُوَ اللَّهُ فَيَكُونُ مَا عَبَدَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالْأَشْجَارِ وَالْأَحْجَارِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ هِيَ اللَّهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ كُلُّهُ تَوْحِيدًا، فَمَا عُبِدَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إِلَّا اللَّهُ إِذْ هِيَ هُوَ وَهَذَا - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - أَعْظَمُ الْكُفْرِ وَأَقْبَحُهُ عَلَى الإطلاق، وفيه تزكية لِكُلِّ كَافِرٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا إِذْ كُلُّ مَا عَبَدَهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ هُوَ اللَّهُ فلم يكن عندهم مشركاً بل موحداً، وفي ذلك إِبْطَالٌ لِرِسَالَاتِ جَمِيعِ الرُّسُلِ وَكُفْرٌ بِجَمِيعِ الْكُتُبِ وجحود لجميع الشرائع. فَإِذَا فَهِمْنَا هَذَا فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ الْخَبَرِ بموجود إِلَّا أَنْ يُنْعَتَ اسْمُ (لَا) بِحَقٍّ فَلَا بأس ويكون التقدير لا إله حقاً أو بحق موجود إلا الله - وهذا صحيح، فقد عرفنا معنى الإله الحق - فبقيد الاستحقاق ينتفي المحذور الذي ذكرنا.

٥-فَضْلُ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ:

كلمة لا إله إلا الله هي سبيل السعادة في الدارين فبالتزامها النجاة من النار وبعدم التزامها البقاء في النار، وبها تثقل الموازين وبدونها تخف الموازين وبها أخذ الله الميثاق {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} (١) ولأجلها خلقت الدنيا والآخرة والجنة والنار، لذا فقد اجتمعت لهذه الكلمة العظيمة كثير من الفضائل:

١-فهي أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ أَنْ هَدَاهُمْ إِلَيْهَا، وَلِهَذَا ذَكَرَهَا فِي سُورَةِ النَّحْلِ الَّتِي هِيَ سُورَةُ النِّعَمِ فَقَدَّمَهَا أَوَّلًا قَبْلَ كُلِّ نِعْمَةٍ، فَقَالَ تَعَالَى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إله إلا أنا فاتقون} (٢) .


(١) الزخرف: ٤٥.
(٢) النحل: ٢.

<<  <   >  >>