للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَنْ ذَلِكَ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قديراً} (١) .

المرتبة الرابعة: مرتبة الخلق، وهي الإيمان بأن الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَهُوَ خَالِقُ كُلِّ عَامِلٍ وعمله، وكل متحرك وحركته، وكل ساكن وسونه، وما من ذرة من السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِلَّا وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَالِقُهَا وَخَالِقُ حَرَكَتِهَا وَسُكُونِهَا، سُبْحَانَهُ لَا خَالِقَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.

وَهَاتَانِ الْمَرْتَبَتَانِ -الثالثة والرابعة- قد تقدم الكلام عليهما في توحيد المعرفة والإثبات (٢) .

٣-قول أهل السنة وأقوال المخالفين لهم من أهل الضلال (القدرية والجبرية) في مشيئة العباد وقدرتهم على أعمالهم (٣) :

أهل السنة يقولون: أن للعباد مشيئة وقدرة على أعمالهم بمقتضاها يثابون أو يعاقبون ولكن هذه القدرة وتلك المشيئة تهيمن عليهما وتحيط بهما قدرة الله عز وجل ومشيئته (٤) ،

فلا يقدر العبد على غير ما شاءه الله وأراده في كونه، وليس


(١) فاطر: ٤٤.
(٢) فاطر ص ٢٣-٢٧.
(٣) وانظر: (القضاء والقدر ومسئولية الإنسان) للشيخ ابن عثيمين حفظه الله. مجلة البيان، العدد الخامس.
(٤) ومن الواضح البين أن العبارة لا تعني أن العبد مقهور مجبور على عمله وبخاصة أمر الهدى والضلال لأن ذلك معناه تجريد العبد تمامً عن قدرته ومشيئته وهو خلاف ما ذكرنا من أن للعبد مشيئة وقدرة على عمله، وإنما المراد أن العبد لا يتم عمله ولا تنفذ مشيئته إلا بمشيئة الله، ومن ثم فلا يهتدي أحد ولا يضل إلا بمشيئة الله. قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: ٢٤] ، وقال تَعَالَى: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ على صراط مستقيم} [الأنعام: ٣٩] . ولكن إذا علمنا هذا فينبغي أن نعلم أيضاً أنه عز وجل أعلم بمواضع فضله ورحمته وهدايته وأعلم بمواقع سخطه وعقوبته فلا يضل إلا من يستحق الضلال، قال تعالى: {وما يضل به إلا الفاسقين} [البقرة: ٢٦] ، وقال تعالى: {وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم..} [التوبة: ١١٥] ، وقال تعالى: {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} [محمد:١٧] ، وفي الحديث القدسي: (إذا تقرب العبد إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً..) انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري ج١٣ ص٥٢١، وقال تعالى: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً} [النساء: ١٣٧] ، وقال عز وجل: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع الله على قلوبهم} [المنافقون:٣] ، فإذا أريت أيها العبد من نفسك لربك خيراً بصدق وعزيمة وإخلاص فأبشر بهداية الله لك وفضله، وأنت لا تعلم هل كتبك الله من الضالين حتى تسلك سبيل الضلال وتقول: إن كان كتبني ضالاً فلن أستطيع سلوك سبيل الهداية..فالأولى للعبد الاشتغال بالعمل الصالح فذلك سبيل الهداية وسبب الفوز بالجنة والنجاة من النار: {ولا يظلم ربك أحداً} [الكهف: ٤٩] ، والله تعالى أعلم.

<<  <   >  >>