للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هَؤُلَاءِ فِي السُّخْطِ كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ على أن أولياءه يرونه في الرضا. وقال المزني: سمعت الشافعي يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} : فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يوم القيامة.

وسئل أحمد رحمه الله: أَلَيْسَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَرَاهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ أَلَيْسَ تَقُولُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ؟ قَالَ أَحْمَدُ: صَحِيحٌ. وقال رحمه الله فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وَلَا يَكُونُ حِجَابٌ إِلَّا لِرُؤْيَةٍ، أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ من شاء الله ومن أراد أن يراه والكفار لا يرونه.

*بيان أنه لا تعارض بين ما ثبت في رؤية الله عز وجل وقوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} (١) أو قوله لموسى {لن تراني} (٢) :

لا منافاة بين الرؤية المثبتة وبين هاتين الآيتين، فإن الإدراك غير الرؤية، فالإدراك يعني الإحاطة، أما الله تعالى فلا تحيط به الرؤية كما لا يحيط به العلم {ولا يحيطون به علماً} (٣) ، وإن كان سبحانه يرى في الجنة. والبعض يجعل قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} بمعنى لا تراه، أي في الدنيا (٤) . أما قوله تعالى لموسى لما قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تراني} فهذا في الدنيا وإلا


(١) الأنعام: ١٠٣.
(٢) طه: ١١٠.
(٣) طه: ١١٠.
(٤) ولعلّ الأول أقرب، إذ أن سياق الآية أقرب إلى تقرير صفة لازمة له سبحانه، بخلاف قوله تعالى لموسى: {لن تراني} ، فلم يقل لن أرى أو لا أرى، كما قال هنا: {لا تدركه الأبصار} وذلك لأن المقصود ليس تقرير أن الله لا يرى وإنما نفى ذلك في الدنيا: والله أعلم. ومن استخدام= = (لن) للنفي في الدنيا قوله تعالى: {ولن يتمنوه أبداً} [البقرة: ٩٥] أي الموت مع أنه عز وجل قال: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك} [الزخرف:٧٧] فالمراد نفي ذلك في الدنيا. انظر شرح الواسطية للشيخ محمد خليل هراس ص٧٣.

<<  <   >  >>