للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[هـ-الإذن بالقتال وفرض الفرائض التي لم تفرض من قبل]

وكان الجهاد بمكة بإقامة الحجة والبيان بمال يتلوه عليهم من القرآن، أما الْجِهَادُ الْمَحْسُوسُ بِالسَّيْفِ فَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ مَأْمُورًا به بل كان مأموراً بِالْعَفْوِ أَوِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَالصَّبْرِ عَلَى أذاهم واحتمال ما يلقى منهم، وَلِهَذَا قَالَ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ إِنِّ آيَاتِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ نَسَخَتْهَا آيَاتُ السَّيْفِ. فَلَمَّا هَاجَرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الْمَدِينَةِ وَصَارَتْ لَهُمْ دَارُ مَنَعَةٍ وَإِخْوَانُ صِدْقٍ وَأَنْصَارُ حَقٍّ، أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ فِي الجهاد ثم أمروا به بعد ذلك أمراً وكلفوا به. قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ..} (١) ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يقاتلونكم ولا تعتدوا} (٢) ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كله لله} (٣) ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله) (٤) . وَالْجِهَادُ ذُرْوَةُ سَنَامِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَقُومُ إِلَّا به، كما أن بيان شرائعه لا يقوم إِلَّا بِالْكِتَابِ، وَلِهَذَا قَرَنَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا فَقَالَ: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فيه بأس شديد} (٥) فَالْكِتَابُ لِبَيَانِ الْحَقِّ وَالْهِدَايَةِ إِلَيْهِ، وَالْحَدِيدُ لِحِمْلِ الناس على الحق وأطرهم عليه (٦) .

وفرض الله عليه بعد


(١) الحج: ٣٩، ٤٠.
(٢) البقرة: ١٩٠.
(٣) الأنفال: ٣٩.
(٤) والحديث في الصحيح وقد سبق. ص٨٧.
(٥) الحديد: ٢٥.
(٦) انظر كتاب أهمية الجهاد للدكتور علي بن نفيع العلياني حفظه الله، ففيه ما يكفي ويشفي إن شاء الله تعالى في الرد على من قصر الجهاد على جهاد الدفع. وانظر زاد المعاد لابن القيم بتحقيق الأرنؤوط - شعيب وعبد القادر جزاهما الله خيراً - (٣/١٥٨-١٦٠) لتقف على ترتيب هديه - صلى الله عليه وسلم - مع الكفار.

<<  <   >  >>