للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالُوا فِي الْآيَةِ الْأُولَى: لَوْ صَارُوا أَحْيَاءً في القبور لذاقوا الموت مرتين لا مرة وَاحِدَةً.

وَقَالُوا فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: إِنَّ الْغَرَضَ مِنْ سِيَاقِهَا تَشْبِيهُ الْكَفَرَةِ بِأَهْلِ الْقُبُورِ فِي عَدَمِ الْإِسْمَاعِ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ حيَّا فِي قَبْرِهِ أَوْ حَاسًّا لَمْ يَسْتَقِمِ التَّشْبِيهُ.

قَالُوا: وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فَإِنَّا نَرَى شَخْصًا يُصْلَبُ وَيَبْقَى مَصْلُوبًا إِلَى أَنْ تَذْهَبَ أَجْزَاؤُهُ ولا نشاهد فيه إحياء ومسألة.

فهذه ثلاث شبهات لهم، آيتان واستدلال عقلي، وفيما يلي الرد عليها:

١-الآية الأولى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} :

ويرد على شبهتهم فيها بأن الآية في وصف نعيم أهل الجنة وأنهم لا يصيبهم من ذلك الموت الذي ذاقوه في الدنيا، وقوله: {إلا الموتة الأولى} تأكيد لذلك فالمنفي هو ذلك الجنس من الموت الذي ذاقوه لما خرجوا من الدنيا، ولا تسمى نومتهم بعد السؤال في القبر موتة وليس فيها ألم ولا هول حتى يمتن الله عليهم بمعافاته لهم منها في الجنة فالمراد بالموت المنفي هو ذلك المعهود الذي يعقب الحياة الدنيوية المستقرة بما فيه من شدائد وسكرات، فهذا قضى الله أنه لا يصيب المؤمنين إلا مرة واحدة. ولا يعارض ذلك بقوله تَعَالَى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فاعترفنا بذنوبنا} (١) والآية في الكفار، فإما أن يقال أن المؤمنين بعد موتهم تسرح أرواحهم في الجنة كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يعلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى جَسَدِهِ يوم يبعثه) (٢) وذلك بخلاف الكافرين فهم الذين يقولون: {ربنا أمتنا اثنتين} فتكون الموتة الثانية هي موتتهم بعد فتنة القبر. والقول الثاني - وهو تفسير الجمهور - أن الموتة الأولى محمولة على العدم الذي قبل وجودهم، والثانية


(١) غافر: ١١.
(٢) صحيح. صحيح الجامع الصغير ٢٣٦٩ ويعلق أن يأكل.

<<  <   >  >>