للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً، فدائرة الإسلام تتسع لعدد من الناس أكثر مما تتسع له دائرة الإيمان فاسم المؤمن المطلق يقع على من قام بالدين كله ظاهراً وباطناً واسم المسلم يقع على كل من نطق بالشهادتين ولم يظهر منها ما ينقضهما.

أما إطلاق التسوية بين الإسلام والإيمان والاتحاد بينهما في كل حال فهو رأي المعتزلة ويحتجون على ذلك بآيتي الذاريات {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} (١) يريد المعتزلة أن يقولوا: هنا اجتمع الإسلام والإيمان واقترنا فلم يدل كل منهما على معنى خاص؟ وَهُوَ احْتِجَاجٌ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا قَوْمًا مُؤْمِنِينَ وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ كُلَّ مؤمن مسلم ولا ينعكس (٢) ، فاتفق الاسمان هنا لِخُصُوصِيَّةِ الْحَالِ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي كُلِّ حال والله أعلم.

وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: هذا - أي ما في حديث جبريل - بَيَانٌ لِأَصْلِ الْإِيمَانِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ الْبَاطِنُ، وَبَيَانٌ لِأَصْلِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ الظَّاهِرُ وَحُكْمُ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِنَّمَا أَضَافَ إليهما الصلاة والزكاة والصوم والحج لكونهما أظهر شعائر الإسلام وأعظمها وبقيامها يَتِمُّ اسْتِسْلَامُهُ، وَتَرْكُهُ لَهَا يُشْعِرُ بِانْحِلَالِ قَيْدِ انْقِيَادِهِ أَوِ اخْتِلَالِهِ. ثُمَّ إِنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ يَتَنَاوَلُ مَا فُسِّرَ بِهِ الْإِسْلَامُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَسَائِرُ الطَّاعَاتِ لِكَوْنِهَا ثَمَرَاتِ التَّصْدِيقِ الْبَاطِنِ الذي هو أصل الإيمان ومقومات ومتممات وحافظات، وَلِهَذَا فَسَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِيمَانَ فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ، بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَإِعْطَاءِ الْخُمْسِ مِنَ الْمَغْنَمِ، وَلِهَذَا لَا يقع اسم المؤمن


(١) الذاريات: ٣٥، ٣٦.
(٢) ويشهد له قوله تَعَالَى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قلوبكم..} [الحجرات: ١٤] .

<<  <   >  >>