وفي هذا القدر كفاية لبيان أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد بذكر هذه الأعمال الصالحة بيان فضلها ولم يرد أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ ذَكَرَهُ أَعْلَمَ أَنَّ عَامِلَهُ يَسْتَوْجِبُ بِفِعْلِهِ الْجَنَّةَ أَوْ يُعَاذُ مِنَ النَّارِ أنه جميع الإيمان.
ثم لما انتهى ابن خزيمة رحمه الله مِنَ الْكَلَامِ عَلَى مَا احْتَجَّ بِهِ الْمُرْجِئَةُ على باطلهم، شرع في بيان ما تشبث به الخوارج فقال (بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتَةً مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ جهل معناها فرقتان: فرقة المعتزلة والخوارج، واحتجوا بِهَا وَادَّعُوا أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ إِذَا مَاتَ قَبْلَ التَّوْبَةِ مِنْهَا مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ مُحَرَّمٌ عليه الجنان. والفرقة الأخرى المرجئة، كفر بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ وَأَنْكَرَتْهَا وَدَفَعَتْهَا جَهْلًا مِنْهَا بِمَعَانِيهَا) ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (مَعْنَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَيْ بَعْضَ الْجِنَانِ إِذِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَعْلَمَ أنها جنان من جنة واسم وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ جَنَّةٍ مِنْهَا، فَمَعْنَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ فِعْلِ كَذَا لِبَعْضِ الْمَعَاصِي حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أَوْ لَمْ يدخل الجنة أولم يَدْخُلِ الْجَنَّةَ مَعْنَاهُ لَا يَدْخُلُ بَعْضَ الْجِنَانِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى وَأَشْرَفُ وَأَنْبَلُ وَأَكْثَرُ نَعِيمًا وسروراً وبهجة وأوسع لا أنه أراد شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْجِنَانِ الَّتِي هِيَ فِي الجنة. وَالْمَعْنَى الثَّانِي مَا قَدْ أَعْلَمْتُ أَصْحَابِي مَا لَا أُحْصِي مِنْ مَرَّةٍ أَنَّ كُلَّ وَعِيدٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ فَإِنَّمَا هُوَ على شريطة (١) أي إلا أن يشاء
(١) سبق بيان القول الجامع في أحاديث الوعد والوعيد الذي يرد به على المرجئة والخوارج والمعتزلة وهو أنها مقيدة بتحقيق شروط وانتفاء موانع وهو ما ذهب إليه ابن تيمية وابن رجب رحمهما الله، كما سبق ذكر الأقوال الأخرى للعلماء في أحاديث الوعد والوعيد. انظر ص ٩٩ - ١٠٦.