للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: أين أنت من ثلاثٍ (١) من حدثكن فَقَدْ كَذَبَ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ - ثُمَّ قَرَأَتْ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللطيف الخبير} (٢) - وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ - ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تكسب غدا} (٣) - ومن حدثك أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ - ثُمَّ قَرَأْتُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ ربك} (٤) الْآيَةَ - وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ) هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشٍ (٥) ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ. قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِي وَلَا تَعْجَلِينِي، أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ بالأفق المبين} (٦) ، {ولقد رآه نزلة أخرى} (٧) ؟

فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِه مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ) (٨) . فَقَالَتْ: أَوَ لَمْ تسمع أن الله


(١) أي كيف يغيب فهمك عن هذه الثلاث؟ وكان ينبغي لك أن تكون مستحضرها ومعتقداً كذب من يدعي وقوعها. فتح الباري ج٨ ص٤٧٣.
(٢) الأنعام: ١٠٣.
(٣) لقمان: ٣٤.
(٤) المائدة: ٦٧.
(٥) انظر شرح النووي (٣/٨) وفيه: (يا أبا عائشة) .
(٦) التكوير: ٢٣.
(٧) النجم: ١٣..
(٨) وفي استدلال عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث المرفوع رد على قول النووي رحمه الله: (لم تنف عائشة وقوع الرؤية بحديث مرفوع ولو كان معها لذكرته، وإنما اعتمدت الاستنباط على ما ذرته من ظاهر الآية، وقد خالفها غيرها من الصحابة، والصحابي إذا قال قولاً وخالفه غيره منهم لم يكن ذلك القول حجة اتفاقاً والمراد بالإدراك في الآية الإحاطة، وذلك لا ينافي الرؤية) انظر فتح الباري ج٨ ص٤٧٣. ومعلوم أن من يقولون برؤيته - صلى الله عليه وسلم - لربه في المعراج يستدلون بآيتي التكوير والنجم المذكورتين. وباحتجاج عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث يسقط استدلالهم ويبقى أمر الرؤية على الأصل الذي هو العم. والله أعلم.

<<  <   >  >>