للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَفْعُولُ: يَنْظُرُونَ، هُوَ مَا بَعْدَ إِلَّا، أَيْ: مَا يَنْتَظِرُونَ إِلَّا إِتْيَانَ اللَّهِ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ، قِيلَ:

وَيَنْظُرُونَ هُنَا لَيْسَتْ مِنَ النَّظَرِ الَّذِي هُوَ تَرَدُّدُ الْعَيْنِ فِي الْمَنْظُورِ إِلَيْهِ، لأنه لو كان من النَّظَرِ لَعُدِّيَ بِإِلَى، وَكَانَ مُضَافًا إِلَى الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الِانْتِظَارِ. انْتَهَى.

وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ يُقَالُ: هُوَ مِنَ النَّظَرِ، وَهُوَ تَرَدُّدُ الْعَيْنِ. وَهُوَ مُعَدًّى بِإِلَى، لَكِنَّهَا مَحْذُوفَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا إِلَى أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ؟ وَحَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ مَعَ أَنْ إِذَا لَمْ يُلْبِسْ قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ، وَلَا لَبْسَ هُنَا، فَحُذِفَتْ: إِلَى، وَقَوْلُهُ: وَكَانَ مُضَافًا إِلَى الْوَجْهِ يُشِيرُ إِلَى قَوْلِهِ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ «١» فَكَذَلِكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ، قَدْ نُسِبَ النَّظَرُ إِلَى الذَّوَاتِ كَثِيرًا كَقَوْلِهِ: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ «٢» أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ «٣» وَالضَّمِيرُ فِي:

يَنْظُرُونَ، عَائِدٌ عَلَى الذَّالِّينَ، وَهُوَ الْتِفَاتٌ مِنْ ضَمِيرِ الْخِطَابِ إِلَى ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ.

وَالْإِتْيَانُ: حَقِيقَةٌ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ حَيِّزٍ إِلَى حَيِّزٍ، وَذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ هَذَا مِنَ الْمَكْتُومِ الَّذِي لَا يُفَسَّرُ، وَلَمْ يَزَلِ السَّلَفُ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ يُؤْمِنُونَ، وَيَكِلُونَ فَهْمَ مَعْنَاهُ إِلَى عِلْمِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَالْمُتَأَخِّرُونَ تَأَوَّلُوا الْإِتْيَانَ وَإِسْنَادَهُ عَلَى وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ إِتْيَانٌ عَلَى مَا يَلِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ.

الثَّانِي: أَنَّهُ عبر به عن المجازات لَهُمْ، وَالِانْتِقَامِ، كَمَا قَالَ: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ «٤» فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا «٥» .

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مُتَعَلَّقُ الْإِتْيَانِ مَحْذُوفًا، أَيْ: أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ بِمَا وَعَدَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ، وَالْعِقَابِ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، التَّقْدِيرُ: أَمْرُ اللَّهِ، بِمَعْنَى: مَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ بِهِمْ، لَا الْأَمْرُ الَّذِي مُقَابِلُهُ النَّهْيُ، وَيُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ: وَقُضِيَ الْأَمْرُ.

الْخَامِسُ: قُدْرَتُهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى عَنْ أَحْمَدَ.

السَّادِسُ: أَنَّ فِي ظُلَلٍ، بِمَعْنَى بِظُلَلٍ، فَيَكُونُ: فِي، بِمَعْنَى: الْبَاءِ، كما قال.


(١) سورة القيامة: ٧٥/ ٢٢.
(٢) سورة الغاشية: ٨٨/ ١٧.
(٣) سورة الأعراف: ٧/ ١٤٣.
(٤) سورة النحل: ١٦/ ٢٦.
(٥) سورة الحشر: ٥٩/ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>