للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ: تَعَلَّمُونَ، بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْعَيْنِ وَاللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ، وَهُوَ مُضَارِعٌ حُذِفَتْ مِنْهُ التَّاءُ، التَّقْدِيرُ: تَتَعَلَّمُونَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْمَحْذُوفِ مِنْهُمَا.

وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ: تَدْرِسُونَ بِكَسْرِ الرَّاءِ. وَرُوِيَ عَنْهُ: تُدَرِّسُونَ، بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الدَّالِّ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ: تُدَرِّسُونَ غَيْرَكُمُ الْعِلْمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّضْعِيفُ لِلتَّكْثِيرِ لَا للتعدية. وقرىء: تَدْرُسُونَ، مِنْ أَدْرَسَ بِمَعْنَى دَرَّسَ نَحْوَ: أَكْرَمَ وَكَرَّمَ، و: أنزل نَزَّلَ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَوْجَبَ أَنْ تَكُونَ الرِّئَاسَةُ الَّتِي هِيَ قُوَّةُ التَّمَسُّكِ بِطَاعَةِ اللَّهِ مُسَبَّبَةً عَنِ الْعِلْمِ وَالدِّرَاسَةِ، وَكَفَى بِهِ دَلِيلًا عَلَى خَيْبَةِ سَعْيِ مَنْ جهد نفسه وكدر وجه فِي جَمْعِ الْعِلْمِ، ثُمَّ لَمْ يَجْعَلْهُ ذَرِيعَةً إِلَى الْعَمَلِ، فَكَانَ مِثْلَ مَنْ غَرَسَ شَجَرَةً حَسْنَاءَ تُونِقُهُ بِمَنْظَرِهَا وَلَا تَنْفَعُهُ بِثَمَرِهَا، ثُمَّ قَالَ أَيْضًا، بَعْدَ أَسْطُرٍ: وَفِيهِ أَنَّ مَنْ عَلِمَ وَدَرَسَ الْعِلْمَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، وَأَنَّ السَّبَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مُنْقَطِعٌ حَيْثُ لَمْ تَثْبُتِ النِّسْبَةُ إِلَيْهِ إِلَّا لِلْمُتَمَسِّكِينَ بِطَاعَتِهِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزَالِ، وَهُوَ أَنَّهُ: لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا عَالِمًا إِلَّا بِالْعَمَلِ، وَأَنَّ الْعَمَلَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْإِيمَانِ.

[[سورة آل عمران (٣) : آية ٨٠]]

وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠)

وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً قَرَأَ الْحَرَمِيَّانِ، وَالنَّحْوِيَّانِ، وَالْأَعْشَى وَالْبَرْجَمِيُّ: بِرَفْعِ الرَّاءِ عَلَى الْقَطْعِ، وَيَخْتَلِسُ أَبُو عَمْرٍو الْحَرَكَةَ عَلَى أَصْلِهِ، وَالْفَاعِلُ ضَمِيرٌ مُسْتَكِنٌّ فِي يَأْمُرُ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ، قَالَهُ سِيبَوَيْهِ، وَالزَّجَّاجُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:

عَائِدٌ عَلَى: بَشَرٍ، الْمَوْصُوفِ بِمَا سَبَقَ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ مِنْ بَشَرٍ مَوْصُوفٍ بِمَا وُصِفَ بِهِ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ رَبًّا فَيُعْبَدَ، وَلَا هُوَ أَيْضًا يَأْمُرُ بِاتِّخَاذِ غَيْرِهِ مِنْ مَلَائِكَةٍ وَأَنْبِيَاءَ أَرْبَابًا، فَانْتَفَى أَنْ يَدْعُوَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى اللَّهِ فَيَكُونُ إِخْبَارًا مِنَ اللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ، فَانْتَفَى أَمْرُ اللَّهِ بِذَلِكَ، وَأَمْرُ أَنْبِيَائِهِ.

وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ وَلَا يَأْمُرَكُمْ، بِنَصْبِ الرَّاءِ، وَخَرَّجَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَلَا لَهُ أَنْ يَأْمُرَكُمْ، فَقَدَّرُوا: أَنْ، مُضْمَرَةً بَعْدَ: لَا، وَتَكُونُ:

لَا، مُؤَكِّدَةً مَعْنَى النَّفْيِ السَّابِقِ، كَمَا تَقُولُ: مَا كَانَ مِنْ زَيْدٍ إِتْيَانٌ وَلَا قِيَامٌ. وَأَنْتَ تُرِيدُ انْتِفَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ زَيْدٍ، فَلَا لِلتَّوْكِيدِ فِي النَّفْيِ السَّابِقِ، وَصَارَ الْمَعْنَى: مَا كَانَ مِنْ زَيْدٍ إِتْيَانٌ وَلَا مِنْهُ قِيَامٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>