للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة النساء (٤) : آية ٧٩]]

مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٧٩)

مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ الْخِطَابُ عَامٌّ كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا أَصَابَكَ يَا إِنْسَانُ. وقيل: لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ بَحْرٍ: هُوَ خِطَابٌ لِلْفَرِيقِ فِي قَوْلِهِ: إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ «١» قَالَ: وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الْفَرِيقِ مُفْرَدًا، صَحَّ أَنْ يُخْبِرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ تَارَةً، وَبِلَفْظِ الْجَمْعِ تَارَةً. وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ:

تُفَرِّقُ أَهْلًا نَابِثِينَ فَمِنْهُمُ ... فَرِيقٌ أَقَامَ وَاسْتَقَلَّ فَرِيقُ

هَذَا مُقْتَضَى اللَّفْظِ. وَأَمَّا الْمَعْنَى بِالنَّاسِ خَاصَّتِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ مُرَادٌ بِقَوْلِهِ: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَالرَّبِيعُ، وَأَبُو صَالِحٍ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ أَخْبَرَ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْنَافِ وَالْقَطْعِ أَنَّ الْحَسَنَةَ مِنْهُ بِفَضْلِهِ، وَالسَّيِّئَةَ مِنَ الْإِنْسَانِ بِذُنُوبِهِ، وَمِنَ اللَّهِ بِالْخَلْقِ وَالِاخْتِرَاعِ. وَفِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَمِنْ نَفْسِكَ، وَإِنَّمَا قَضَيْتُهَا عَلَيْكَ، وَقَرَأَ بِهَا ابْنُ عَبَّاسٍ. وَحَكَى أَبُو عَمْرٍو: وأنها فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنَا كَتَبْتُهَا.

وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَأُبَيًّا قَرَآ: وَأَنَا قَدَّرْتُهَا عَلَيْكَ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مَعْنَاهَا: «أَنَّ مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْمَصَائِبِ فَإِنَّمَا هُوَ عُقُوبَةُ ذُنُوبِهِ» وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَعْنَى الْآيَةِ هُوَ عَلَى قَوْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا؟ يَقُولُونَ: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ الْآيَةَ «٢» . وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: وَأَرْسَلْناكَ وَالْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: فَمِنْ نَفْسِكَ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ، هُوَ اسْتِئْنَافُ إِخْبَارٍ مِنَ اللَّهِ أَنَّ الْحَسَنَةَ مِنْهُ وَبِفَضْلِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ، عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ وَالتَّقْدِيرُ: وَأَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ مَحْذُوفَةٌ مِنَ الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ «٣» أَيْ: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ. وَكَذَا بازِغاً قالَ: هَذَا رَبِّي «٤» عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ، وَالْعَرَبُ تَحْذِفُ أَلِفَ الِاسْتِفْهَامِ قَالَ أَبُو خِرَاشٍ:

رَمَوْنِي وَقَالُوا يَا خُوَيْلِدُ لَمْ تُرْعَ ... فَقُلْتُ وَأَنْكَرْتُ الْوُجُوهَ هم هم


(١) سورة النساء: ٤/ ٧٧.
(٢) سورة النساء: ٤/ ٧٩.
(٣) سورة الشعراء: ٢٦/ ٢٢.
(٤) سورة الأنعام: ٦/ ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>