للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْصُوبٌ بِالْمُلْكِ وَتَخْصِيصُهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ كَتَخْصِيصِهِ بِقَوْلِهِ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ «١» وَبِقَوْلِهِ:

وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ «٢» وَفَائِدَتُهُ الْإِخْبَارُ بِانْفِرَادِهِ بِالْمُلْكِ حِينَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُدَّعَى فِيهِ مُلْكٌ، وَقِيلَ هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَذُو الْحَالِ الْمُلْكُ وَالْعَامِلُ لَهُ، وَقِيلَ هُوَ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ لِقَوْلِهِ: قَوْلُهُ الْحَقُّ أَيْ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، وَقِيلَ ظَرْفٌ لقوله تُحْشَرُونَ أو ليقول أو لعالم الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ فِي الصُّورِ وَحَكَاهَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عِيَاضٍ وَيُؤَيِّدُ تَأْوِيلَ مَنْ تَأَوَّلَهُ أَنَّ الصُّوَرَ جَمْعُ صُورَةٍ كَثُومَةٍ وَثُوَمٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ثَمَّ نَفْخًا حَقِيقَةً، وَقِيلَ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ قِيَامِ السَّاعَةِ وَنَفَادِ الدُّنْيَا وَاسْتَعَارَهُ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو نَنْفُخُ بِنُونِ الْعَظَمَةِ.

عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَيْ هُوَ عَالِمٌ أَوْ مُبْتَدَأٌ عَلَى تَقْدِيرِ مَنِ النَّافِخُ أَوْ فَاعِلٌ بيقول أو بينفخ مَحْذُوفَةٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ يُنْفَخُ نَحْوَ رِجَالٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: يسبح بفتح الباء وشركاؤهم بَعْدَ زُيِّنَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَرَفْعِ قَتْلُ وَنَحْوَ ضَارِعٌ لِخُصُومَةٍ بَعْدَ لِيُبْكِ يَزِيدٌ التَّقْدِيرُ يُسَبِّحُ لَهُ رِجَالٌ وَزَيَّنَهُ شُرَكَاؤُهُمْ وَيُبْكِيهِ ضَارِعٌ أَوْ نَعْتٌ لِلَّذِي أَقْوَالٌ أَجْوَدُهَا الْأَوَّلُ والْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ يَعُمَّانِ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ عالِمُ بِالْخَفْضِ وَوُجِّهَ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي لَهُ أَوْ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْ نَعْتٌ لِلضَّمِيرِ فِي لَهُ، وَالْأَجْوَدُ الْأَوَّلُ لِبُعْدِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ فِي الثَّانِي وَكَوْنِ الضَّمِيرِ الْغَائِبِ يُوصَفُ وَلَيْسَ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ إِنَّمَا أَجَازَهُ الْكِسَائِيُّ وَحْدَهُ.

وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ لَمَّا ذَكَرَ خَلْقَ الْخَلْقِ وَسُرْعَةَ إِيجَادِهِ لِمَا يَشَاءُ وَتَضَمُّنَ الْبَعْثِ إِفْنَاءَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ نَاسَبَ ذِكْرَ الْوَصْفِ بِالْحَكِيمِ وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ نَاسَبَ ذِكْرَ الْوَصْفِ بِالْخَبِيرِ إِذْ هِيَ صِفَةٌ تَدُلُّ عَلَى عِلْمِ مَا لَطُفَ إدراكه من الأشياء.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٧٤ الى ٩٤]

وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٧٤) وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨)

إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩) وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠) وَكَيْفَ أَخافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢) وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)

وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧) ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨)

أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (٨٩) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (٩٠) وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩٢) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣)

وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤)


(١) سورة غافر: ٤٠/ ١٦.
(٢) سورة الانفطار: ٨٢/ ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>