اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ نَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَأْكُلَ بَعْضُهُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ، وَهِيَ الطَّرِيقُ الَّتِي لَمْ يُبِحِ اللَّهُ الِاكْتِسَابَ بِهَا، وَنَهَاكُمْ أَيْضًا عَنْ رِشَاءِ حُكَّامِ السُّوءِ لِيَأْخُذُوا بِذَلِكَ شَيْئًا مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا يَسْتَحِقُّونَهَا، وَقَيَّدَ النَّهْيَ وَالْأَخْذَ بِقَيْدِ الْعِلْمِ بِمَا يَرْتَكِبُونَهُ تَقْبِيحًا لَهُمْ، وَتَوْبِيخًا لَهُمْ، لِأَنَّ مَنْ فَعَلَ الْمَعْصِيَةَ وَهُوَ عَالِمٌ بِهَا وَبِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْجَزَاءِ السيء كَانَ أَقْبَحَ فِي حَقِّهِ وَأَشْنَعَ مِمَّنْ يَأْتِي فِي الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ جَاهِلٌ فِيهَا. وَبِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا.
وَلَمَّا كان افتتاح هذه الآيات الْكَرِيمَةِ بِالْأَمْرِ الْمُحَتَّمِ بِالصِّيَامِ وَكَانَ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْجَلِيلَةِ الَّتِي أُمِرَ فِيهَا بِاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ، حَتَّى أَنَّهُ جَاءَ
في الحديث: «فإن امرئ سَبَّهُ، فَلْيَقُلْ:
إِنِّي صَائِمٌ» .
وَجَاءَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»
، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ مَمْنُوعَاتِهِ وَأَكْبَرِهَا الْأَكْلُ فِيهِ، اخْتَتَمَ هَذِهِ الْآيَاتِ بِالنَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الْأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ، لِيَكُونَ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ الصَّائِمُ مِنَ الْحَلَالِ الَّذِي لَا شُبْهَةَ فِيهِ، فَيُرْجَى أَنْ يُتَقَبَّلَ عَمَلُهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنَ «الصَّائِمِينَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ صَوْمِهِمْ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ» . فَافْتُتِحَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ بِوَاجِبٍ مَأْمُورٍ بِهِ، وَاخْتُتِمَتْ بِمُحَرَّمٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَتَخَلَّلَ بَيْنَ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ أَيْضًا أَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَكَالِيفٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِامْتِثَالِ مَا أَمَرَ بِهِ، وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى تَعَالَى عَنْهُ، أعاننا الله عليها.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٨٩ الى ١٩٦]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣)
الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٤) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute