للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ كَلِمَاتُ حِكْمَةٍ وَذِكْرٍ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُفَسِّرُونَ فِي كُتُبِهِمْ وَلَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَاهُمَا هُوَ الْأَقْرَبُ إِلَيْهِمَا الَّذِي وَلَدَهُمَا دَنِيَّةً. وَقِيلَ: السَّابِعُ. وَقِيلَ: الْعَاشِرُ وَحِفْظُ هَذَانِ الْغُلَامَانِ بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنِ اللَّهَ يَحْفَظُ الرَّجُلَ الصَّالِحَ فِي ذُرِّيَّتِهِ» .

وَانْتَصَبَ رَحْمَةً عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يُنْصَبَ عَلَى الْمَصْدَرِ بِأَرَادَ قَالَ: لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى رَحِمَهُمَا، وَأَجَازَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الْحَالِ وَكِلَاهُمَا مُتَكَلَّفٌ.

وَما فَعَلْتُهُ أَيْ وَمَا فَعَلْتُ مَا رَأَيْتَ مِنْ خَرْقِ السَّفِينَةِ وَقَتْلِ الْغُلَامِ وَإِقَامَةِ الْجِدَارِ عَنِ اجْتِهَادٍ مِنِّي وَرَأْيٍ، وَإِنَّمَا فَعَلْتُهُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَبِيٌّ أوحي إليه. وتَسْطِعْ مُضَارِعُ اسْطَاعَ بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ مَا أَسْتَطِيعُ وَمَا أَسْطِيعُ وَمَا أَسْتَتِيعُ وَأَسْتِيعُ أَرْبَعُ لُغَاتٍ، وَأَصْلُ اسْطَاعَ اسْتَطَاعَ عَلَى وَزْنِ اسْتَفْعَلَ، فَالْمَحْذُوفُ فِي اسْطَاعَ تَاءُ الِافْتِعَالِ لِوُجُودِ الطَّاءِ الَّتِي هِيَ أَصْلٌ وَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إِلَى أَنَّ الْمَحْذُوفَ هِيَ الطَّاءُ الَّتِي هِيَ فَاءُ الْفِعْلِ، ثُمَّ أَبْدَلُوا مِنْ تَاءِ الِافْتِعَالِ طَاءً، وَأَمَّا أَسْتَتِيعُ فَفِيهِ أَنَّهُمْ أَبْدَلُوا مِنَ الطَّاءِ تَاءً، وَيَنْبَغِي فِي تَسْتِيعُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ تَاءَ الِافْتِعَالِ كَمَا فِي تَسْطِيعُ.

وَفِي كِتَابِ التَّحْرِيرِ وَالتَّحْبِيرِ مَا نَصُّهُ: تَعَلَّقَ بَعْضُ الْجُهَّالِ بِمَا جَرَى لِمُوسَى مَعَ الْخَضِرِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ عَلَى أَنَّ الْخَضِرَ أَفْضَلُ مِنْ مُوسَى وَطَرَدُوا الْحُكْمَ، وَقَالُوا: قَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ أَفْضَلَ مِنْ آحَادِ الْأَنْبِيَاءِ، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ أَبِي يَزِيدَ خُضْتُ بَحْرًا وَقَفَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَى سَاحِلِهِ وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ ثَمَرَاتِ الرُّعُونَةِ وَالظِّنَّةِ بِالنَّفْسِ انْتَهَى. وَهَكَذَا سَمِعْنَا مَنْ يَحْكِي هَذِهِ الْمَقَالَةَ عَنْ بَعْضِ الضَّالِّينَ الْمُضِلِّينَ وَهُوَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الطَّائِيُّ الْحَاتِمِيُّ صَاحِبُ الْفُتُوحِ الْمَكِّيَّةِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى بِالْقُبُوحِ الْهَلَكِيَّةِ وَأَنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ الْوَلِيَّ خَيْرٌ مِنَ النَّبِيِّ قَالَ: لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَأْخُذُ عَنِ اللَّهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَالنَّبِيُّ يَأْخُذُ بِوَاسِطَةٍ عَنِ اللَّهِ، وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ قَاعِدٌ فِي الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالنَّبِيُّ مُرْسَلٌ إِلَى قَوْمٍ، وَمَنْ كَانَ فِي الْحَضْرَةِ أَفْضَلُ مِمَّنْ يُرْسِلُهُ صَاحِبُ الْحَضْرَةِ إِلَى أَشْيَاءَ مِنْ هَذِهِ الْكُفْرِيَّاتِ وَالزَّنْدَقَةِ، وَقَدْ كَثُرَ مُعَظِّمُو هَذَا الرَّجُلِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ غُلَاةِ الزَّنَادِقَةِ الْقَائِلَةِ بِالْوَحْدَةِ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَ في أدياننا وأبداننا.

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٨٣ الى ١١٠]

وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧)

وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (٩١) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢)

حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣) قالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ نَارًا قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧)

قالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨) وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢)

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧)

خالِدِينَ فِيها لَا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>