للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقَاتِلُونَ أَعْدَاءَ اللَّهِ، نُهُوا عن شيء فضيعوه، فو الله مَا تُرِكُوا حَتَّى غُمُّوا بِهَذَا الْغُمِّ. يَا فِسْقَ الْفَاسِقِينَ الْيَوْمَ يُحِلُّ كُلَّ كَبِيرَةٍ، وَيَرْكَبُ كُلَّ دَاهِيَةٍ، وَيَسْحَبُ عَلَيْهَا ثِيَابَهُ، وَيَزْعُمُ أَنْ لَا بَأْسَ عَلَيْهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَسَنِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَفْوَ إِنَّمَا هُوَ عَنِ الذَّنْبِ، أَيْ لَمْ يُؤَاخِذْكُمْ بِالْعِصْيَانِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَرِينَةُ قَوْلِهِ: وَعَصَيْتُمْ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الذَّنْبَ كَانَ يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِمَّا نَزَلَ بِكُمْ، فَعَفَا عَنْكُمْ، فَهُوَ إِخْبَارٌ بِالْعَفْوِ عَمَّا كَانَ يُسْتَحَقُّ بِالذَّنْبِ مِنَ الْعِقَابِ.

وَقَالَ بِهَذَا: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَجَمَاعَةٌ. وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ تَحْذِيرٌ.

وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَيْ فِي الْأَحْوَالِ، أَوْ بِالْعَفْوِ.

وَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنَ الْبَيَانِ وَالْبَدِيعِ ضُرُوبًا: مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِفْهَامِ الَّذِي مَعْنَاهُ الْإِنْكَارُ فِي: أَمْ حَسِبْتُمْ. وَالتَّجْنِيسُ الْمُمَاثِلُ فِي: انْقَلَبْتُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ، وَفِي ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ. وَالْمُغَايِرُ فِي قَوْلِهِمْ: إِلَّا أَنْ قَالُوا. وَتَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ فِي: تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ أَيِ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفِي قَوْلِهِ: وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا فِيمَنْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِالْقُلُوبِ، لِأَنَّ ثَبَاتَ الْأَقْدَامِ مُتَسَبِّبٌ عَنْ ثَبَاتِ الْقُلُوبِ. وَالِالْتِفَاتُ فِي: وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ. وَالتَّكْرَارُ فِي:

وَلَمَّا يَعْلَمْ وَيَعْلَمْ لِاخْتِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ. أَوْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى فَضْلِ الصَّابِرِ. وَفِي: أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الْمَوْتِ خِلَافُ الْعُرْفِ فِي الْقَتْلِ، وَالْمَعْنَى: مُفَارَقَةُ الرُّوحِ الْجَسَدَ فَهُوَ وَاحِدٌ.

وَمَنْ فِي وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْجُمْلَتَيْنِ، وَفِي: ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي قَوْلِ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا، وَفِي:

ثواب وحسن ثواب. وَفِي: لَفْظِ الْجَلَالَةِ، وَفِي: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْجُمْلَتَيْنِ. وَالتَّقْسِيمُ فِي:

وَمَنْ يُرِدْ وَفِي مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ. وَالِاخْتِصَاصُ فِي: الشَّاكِرِينَ، وَالصَّابِرِينَ، وَالْمُؤْمِنِينَ.

وَالطِّبَاقُ: فِي آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا. وَالتَّشْبِيهُ فِي: يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ، شَبَّهَ الرُّجُوعَ عَنِ الدِّينِ بِالرَّاجِعِ الْقَهْقَرَى، وَالَّذِي حَبِطَ عَمَلُهُ بِالْكُفْرِ بِالْخَاسِرِ الَّذِي ضَاعَ رِبْحُهُ وَرَأْسُ مَالِهِ وَبِالْمُنْقَلِبِ الَّذِي يَرُوحُ فِي طَرِيقٍ وَيَغْدُو فِي أُخْرَى، وَفِي قَوْلِهِ: سَنَلْقَى. وَقِيلَ:

هَذَا كُلُّهُ اسْتِعَارَةٌ. وَالْحَذْفُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ.

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٥٣ الى ١٦٣]

إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا مَا أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٥٣) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٥٤) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا مَا ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧)

وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨) فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠) وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١٦١) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦٢)

هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٦٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>