للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُبْتَدَإِ إِنْ لَمْ نُجِزْ ذَلِكَ أَوِ اعْتَقَدْنَا أَنَّ مَا تَمِيمِيَّةٌ وَأَمَّا فِي مِنْ حِسابِكَ فَقِيلَ: هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَيَضْعُفُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحَالَ إِذَا كَانَ الْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَى الْفِعْلِ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ خُصُوصًا إِذَا تَقَدَّمَتْ عَلَى الْعَامِلِ وَعَلَى ذِي الْحَالِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ مِنْ حِسابِكَ وعَلَيْهِمْ. صِفَةً لِشَيْءٍ تَقَدَّمَتْ عَلَيْهِ فَانْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ عَلَيْهِمْ هُوَ مَحَطُّ الْفَائِدَةِ فَتَرَجَّحَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْخَبَرَ وَيَكُونُ مِنْ حِسابِكَ عَلَى هَذَا تنبيا لَا حَالًا وَلَا خَبَرًا وَانْظُرْ إِلَى حُسْنِ اعْتِنَائِهِ تعالى بِنَبِيِّهِ وَتَشْرِيفِهِ بِخِطَابِهِ حَيْثُ بَدَأَ بِهِ فِي الْجُمْلَتَيْنِ مَعًا فَقَالَ: مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ: وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَقَدَّمَ خِطَابُهُ فِي الْجُمْلَتَيْنِ وَكَانَ مُقْتَضَى التَّرْكِيبِ الْأَوَّلِ لَوْ لُوحِظَ أَنْ يَكُونَ التَّرْكِيبُ الثَّانِي وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ حِسَابِكَ مِنْ شَيْءٍ لَكِنَّهُ قَدَّمَ خِطَابَ الرَّسُولِ وَأَمْرَهُ تَشْرِيفًا لَهُ عَلَيْهِمْ وَاعْتِنَاءً بِمُخَاطَبَتِهِ وَفِي هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ رَدُّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَلَيْسَ الَّذِي حَلَّلْتَهُ بِمُحَلَّلٍ ... وَلَيْسَ الَّذِي حَرَّمْتَهُ بِمُحَرَّمِ

فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: فَتَطْرُدَهُمْ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يكون النَّصْبُ هُنَا عَلَى أَحَدِ معنى النَّصْبِ فِي قَوْلِكَ: مَا تَأْتِينَا فَتُحَدِّثَنَا لِأَنَّ أَحَدَ معنى هَذَا مَا تَأْتِينَا مُحَدِّثًا إِنَّمَا تَأْتِي وَلَا تُحَدِّثُ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَصِحُّ فِي الْآيَةِ وَالْمَعْنَى الثَّانِي مَا تَأْتِينَا فَكَيْفَ تُحَدِّثُنَا؟ أَيْ لَا يَقَعُ هَذَا فَكَيْفَ يَقَعُ هَذَا وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي يَصِحُّ فِي الْآيَةِ أَنْ لَا يَكُونَ حِسَابُهُمْ عَلَيْكَ فَيَكُونَ وَقْعُ الطَّرْدِ، وَأَطْلَقُوا جَوَابَ أَنْ يَكُونَ فَتَطْرُدَهُمْ جَوَابًا لِلنَّفْيِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا كَيْفِيَّةَ وُقُوعِهِ جَوَابًا وَالظَّاهِرُ فِي قَوْلِهِ: فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى فَتَطْرُدَهُمْ وَالْمَعْنَى الْإِخْبَارُ بِانْتِفَاءِ حِسَابِهِمْ وَانْتِفَاءِ الطَّرْدِ وَالظُّلْمِ الْمُتَسَبِّبِ عَنِ الطَّرْدِ، وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ فَتَكُونَ جَوَابًا لِلنَّهْيِ فِي قَوْلِهِ:

وَلا تَطْرُدِ كَقَوْلِهِ: لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ «١» وَتَكُونُ الْجُمْلَتَانِ وَجَوَابُ الْأَوْلَى اعْتِرَاضًا بَيْنَ النَّهْيِ وَجَوَابِهِ، وَمَعْنَى مِنَ الظَّالِمِينَ مِنَ الَّذِينَ يَضَعُونَ الشَّيْءَ فِي غير مواضعه.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٥٣ الى ٥٨]

وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣) وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧)

قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨)


(١) سورة طه: ٢٠/ ٦١
.

<<  <  ج: ص:  >  >>