للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى فُتُونٍ سَابِقٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ أُمَمِ رُسُلٍ وَإِرْسَالِهِمْ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَتَقْسِيمِ أُمَمِهِمْ إِلَى مُؤْمِنٍ وَمُكَذِّبٍ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَتْبَاعَ الرُّسُلِ مُخْتَلِفُونَ وَوَاقِعٌ فِيهِمُ الْفُتُونُ لَا مَحَالَةَ كَمَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَشَبَّهَ تَعَالَى ابْتِلَاءَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَاخْتِبَارَهَا بِابْتِلَاءِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ أَيْ حَالُ هَذِهِ الْأُمَّةِ حَالُ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ فِي فُتُونِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَالْفُتُونُ بِالْغِنَى وَالْفَقْرِ أَوْ بِالشَّرَفِ وَالْوَضَاعَةِ وَالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمِثْلُ ذَلِكَ الْفَتْنِ الْعَظِيمِ فَتْنُ بَعْضِ النَّاسِ بِبَعْضٍ أَيِ ابْتَلَيْنَاهُمْ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَقُولُونَ لِلْمُسْلِمِينَ أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَيْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالتَّوْفِيقِ لِإِصَابَةِ الْحَقِّ وَلِمَا يُسْعِدُهُمْ عِنْدَهُ مِنْ دُونِنَا وَنَحْنُ الْمُقَدَّمُونَ وَالرُّؤَسَاءُ وَهُمُ الْعَبِيدُ وَالْفُقَرَاءُ إِنْكَارًا لِأَنْ يَكُونَ أَمْثَالُهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَمَمْنُونًا عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا بِالْخَيْرِ نحوا أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا «١» لَوْ كانَ خَيْراً مَا سَبَقُونا إِلَيْهِ «٢» وَمَعْنَى فَتَنَّاهُمْ لِيَقُولُوا ذَلِكَ خِذْلَانُهُمْ فَافْتَتَنُوا حَتَّى كَانَ افْتِتَانُهُمْ سَبَبًا لِهَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِمْ هَذَا إِلَّا مَخْذُولٌ مُتَقَوِّلٌ انْتَهَى. وَآخِرُ كَلَامِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ تَأْوِيلِ الْفِتْنَةِ الَّتِي نَسَبَهَا تَعَالَى إِلَيْهِ بالخذلان لأن جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ابْتِلَاءُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُشْرِكِينَ هُوَ مَا يَلْقَوْنَ مِنْهُمْ مِنَ الْأَذَى، وَابْتِلَاءُ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُؤْمِنِينَ هُوَ أَنْ يَرَى الرَّجُلُ الشَّرِيفُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَوْمًا لَا شَرَفَ لَهُمْ قَدْ عَظَّمَهُمْ هَذَا الدِّينُ وَجَعَلَ لَهُمْ عِنْدَ نبيهم قدرا


(١) سورة القمر: ٥٤/ ٥٢.
(٢) سورة الأحقاف: ٤٦/ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>