للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَاجَةَ إِلَى ذِكْرِ هَذَا الْجَوَابِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ فَاسِدًا. وَقَالَ: إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، إِلَى وَقْتٍ قَدْ بَيَّنَّاهُ، أَوْ بَيَّنَّا مِقْدَارَهُ إِنْ آمَنْتُمْ، وَإِلَّا عَاجَلَكُمْ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ انْتَهَى. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِالْأَجَلَيْنِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي طَرْفٍ مِنْ هَذَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ فِي قَوْلِهِ: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ «١» وَقِيلَ هُنَا: وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَا يُعَاجِلُكُمْ بِالْعَذَابِ، إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا لَا فَضْلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، وَلَا فَضْلَ لَكُمْ عَلَيْنَا، فَلِمَ تُخَصُّونَ بِالنُّبُوَّةِ دُونَنَا؟ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَوْ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَى الْبَشَرِ رُسَلًا لَجَعَلَهُمْ مِنْ جِنْسٍ أَفْضَلَ مِنْهُمْ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ انْتَهَى. وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فِي قَوْلِهِمُ اسْتِبْعَادُ بِعْثَةِ الْبَشَرِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: بَلْ أَرَادُوا إِحَالَتَهُ، وَذَهَبُوا مَذْهَبَ الْبَرَاهِمَةِ، أَوْ مَنْ يَقُولُ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ الْأَجْنَاسَ لَا يَقَعُ فِيهَا هَذَا الْقِيَاسُ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَغْمَضُوا هَذَا الْإِغْمَاضَ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْتُ أَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُمْ حُجَّةً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ طَلَبَهُمْ مِنْهُمُ السُّلْطَانَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَةِ التَّعْجِيزِ أَيْ: بَعْثَتُكُمْ مُحَالٌ، وَإِلَّا فَأَتُوا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ أَيْ: إِنَّكُمْ لَا تَفْعَلُونَ ذَلِكَ أَبَدًا، فَتَقْوَى بِهَذَا الِاحْتِمَالِ مَنَحَاهُمْ إِلَى مَذْهَبِ الْفَلَاسِفَةِ انْتَهَى. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ طَلَبَهُمُ السُّلْطَانَ الْمُبِينَ وَقَدْ أَتَتْهُمُ الرُّسُلُ بِالْبَيِّنَاتِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ وَالِاقْتِرَاحِ، وَإِلَّا فَمَا أُتُوا بِهِ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْآيَاتِ كَافٍ لِمَنِ اسْتَبْصَرَ، وَلَكِنَّهُمْ قَلَّدُوا آبَاءَهُمْ فِيمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالِ. أَلَا تَرَى إِلَى أَنَّهُمْ لَمَّا ذَكَرُوا أَنَّهُمْ مُمَاثِلُوهُمْ قَالُوا: تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَيْ:

لَيْسَ مَقْصُودُكُمْ إِلَّا أَنْ نَكُونَ لَكُمْ تَبَعًا، وَنَتْرُكُ مَا نَشَأْنَا عَلَيْهِ مِنْ دِينِ آبَائِنَا. وَقَرَأَ طَلْحَةُ: أَنْ تَصُدُّونَا بِتَشْدِيدِ النُّونِ، جَعَلَ إِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَقَدَّرَ فَصْلًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفِعْلِ، وَكَانَ الْأَصْلُ أَنَّهُ تَصُدُّونَنَا، فَأَدْغَمَ نُونَ الرَّفْعِ فِي الضَّمِيرِ، وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ أَنْ الثُّنَائِيَّةَ الَّتِي تَنْصِبُ الْمُضَارِعَ، لَكِنَّهُ هُنَا لَمْ يُعْمِلْهَا بَلْ أَلْغَاهَا، كَمَا أَلْغَاهَا مَنْ قَرَأَ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ «٢» بِرَفْعِ يُتِمُّ حَمَلًا عَلَى مَا الْمَصْدَرِيَّةِ أختها.

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١١ الى ١٧]

قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى مَا آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (١٤) وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥)

مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧)


(١) سورة الأعراف: ٧/ ٣٤.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>