للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَلَّمُوا لَهُمْ فِي أَنَّهُمْ يُمَاثِلُونَهُمْ فِي الْبَشَرِيَّةِ وَحْدَهَا، وَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَوْصَافِ الَّتِي اخْتُصُّوا بِهَا فَلَمْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ، وَلَمْ يَذْكُرُوا مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْوَصْفِ الَّذِي تَمَيَّزُوا بِهِ تَوَاضُعًا مِنْهُمْ، ونسبة ذلك إلى الله. وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِمَنِّ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَحْدَهُمْ، وَلَكِنْ أَبْرَزُوا ذَلِكَ فِي عُمُومِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ. وَالْمَعْنَى: يَمُنُّ بِالنُّبُوَّةِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ تَنْبِئَتَهُ. وَمَعْنَى بِإِذْنِ اللَّهِ: بِتَسْوِيغِهِ وَإِرَادَتِهِ، أَيِ الْآيَةُ الَّتِي اقْتَرَحْتُمُوهَا لَيْسَ لَنَا الْإِتْيَانُ بِهَا، وَلَا هِيَ فِي اسْتِطَاعَتِنَا، وَلِذَلِكَ كَانَ التَّرْكِيبُ: وَمَا كَانَ لَنَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَمْرٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَشِيئَةِ. فَلْيَتَوَكَّلْ أَمْرٌ مِنْهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالتَّوَكُّلِ، وَقَصَدُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ قَصْدًا أَوَّلِيًّا وَأَمَرُوهَا بِهِ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: وَمِنْ حَقِّنَا أَنْ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ فِي الصَّبْرِ عَلَى مُعَانَدَتِكُمْ وَمُعَادَاتِكُمْ، وَمَا يَجْرِي عَلَيْنَا مِنْكُمْ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِمْ وَمَا لَنَا أَنْ لَا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَمَعْنَاهُ: وَأَيُّ عُذْرٍ لَنَا فِي أَنْ لَا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا، فَعَلَ بِنَا مَا يُوجِبُ تَوَكُّلَنَا عَلَيْهِ، وَهُوَ التَّوْفِيقُ لِهِدَايَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا سَبِيلَهُ الَّذِي يُوجِبُ عَلَيْهِ سُلُوكَهُ فِي الدِّينِ. وَالْأَمْرُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ لِاسْتِحْدَاثِ التَّوَكُّلِ، وَالثَّانِي لِلثَّبَاتِ عَلَى ما استحدثوا من توكيلهم. وَلَنَصْبِرَنَّ جَوَابُ قَسَمٍ، وَيَدُلُّ عَلَى سَبْقِ مَا يَجِبُ فِيهِ الصَّبْرُ وَهُوَ الْأَذَى. وما مَصْدَرِيَّةٌ، وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي. وَالضَّمِيرُ مَحْذُوفٌ أَيْ: مَا آذَيْتُمُونَاهُ وَكَانَ أَصْلُهُ بِهِ، فَهَلْ حُذِفَ بِهِ أَوِ الْبَاءِ فَوَصْلُ الْفِعْلِ إِلَى الضَّمِيرِ قَوْلَانِ؟ وَقَرَأَ الْحَسَنُ: بِكَسْرِ لَامِ الْأَمْرِ فِي لِيَتَوَكَّلِ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَأَوْ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَقْسَمُوا عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِخْرَاجِهِمْ، أَوْ عَوْدِهِمْ فِي مِلَّتِهِمْ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: لَيَكُونَنَّ أَحَدُ هَذَيْنِ. وَتَقْدِيرُ أَوْ هُنَا بِمَعْنَى حَتَّى، أَوْ بِمَعْنَى إِلَّا أَنْ قَوْلُ مَنْ لَمْ يُنْعِمِ النَّظَرَ فِي مَا بَعْدَهَا، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَرْكِيبُ حَتَّى، وَلَا تَرْكِيبُ إِلَّا أَنْ مَعَ قَوْلِهِ: لَتَعُودُنَّ بِخِلَافِ لَأَلْزَمَنَّكَ، أَوْ تَقْضِيَّنِّي حَقِّي وَالْعَوْدُ هُنَا بِمَعْنَى الصَّيْرُورَةِ. أَوْ يَكُونُ خِطَابًا لِلرُّسُلِ وَمَنْ آمَنُوا بِهِمْ. وَغَلَبَ حُكْمُ مَنْ آمَنُوا بِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ فِي مِلَّتِهِمْ، فَيَصِحُّ إِبْقَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>