جَمِيعِ مَا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقِينَ، وَنُنَزِّهُهُ عَمَّا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ مِنْ سِمَاتِ الْحُدُوثِ وَصِفَاتِ النَّقْصِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ مُنَبِّهًا عَلَى أَنَّ دَأْبَ مَنْ أرسل إليه الْأَنْبِيَاءُ، وَظَهَرَتْ لَهُمُ الْمُعْجِزَاتُ الْإِعْرَاضُ عَنْ ذَلِكَ، وَعَدَمُ قَبُولِ الْإِيمَانِ، وَأَنَّهُمْ يُرَتِّبُونَ عَلَى الشَّيْءِ غَيْرَ مُقْتَضَاهُ، فَيُكَذِّبُونَ بِالْآيَاتِ الَّتِي جَاءَتْ دَالَّةً عَلَى الصِّدْقِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى: أَنَّ مَنْ بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَاقَبَهُ أَشَدَّ الْعِقَابِ، قَابَلَ نِعْمَةَ اللَّهِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ الشُّكْرِ بِالْكُفْرِ، ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى الْحَامِلَ لَهُمْ عَلَى تَبْدِيلِ نِعَمِ اللَّهِ، وَهُوَ: تَزْيِينُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَرَغِبُوا فِي الْفَانِي وَزَهِدُوا فِي الْبَاقِي إِيثَارًا لِلْعَاجِلِ عَلَى الْآجِلِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ اسْتِهْزَاءَهُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ، حَيْثُ مَا يُتَوَهَّمُ فِي وَصْفِ الْإِيمَانِ، وَالرَّغْبَةِ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَكَرَ أَنَّهُمُ هم الْعَالُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ أُولَئِكَ هُمُ السَّافِلُونَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَرْزُقُ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ، بِغَيْرِ حِسَابٍ، إِشَارَةً إِلَى سَعَةِ الرِّزْقِ وَعَدَمِ التَّقْتِيرِ، وَالتَّقْدِيرِ: وَأَعَادَ ذِكْرَهُمْ بِلَفْظِ: مَنْ يَشَاءُ، تَنْبِيهًا عَلَى إِرَادَتِهِ لَهُمْ، وَمَحَبَّتِهِ إِيَّاهُمْ، وَاخْتِصَاصِهِمْ بِهِ، إِذْ لَوْ قَالَ: وَاللَّهُ يَرْزُقُهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ، لَفَاتَ هَذَا الْمَعْنَى مَنْ ذِكْرِ الْمَشِيئَةِ الَّتِي هِيَ الْإِرَادَةُ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١٣ الى ٢١٨]
كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤) يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦) يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢١٧)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute