وَحَذَفَهَا مِنَ النَّهَارِ، وَذَكَرَ وَصْفَ النَّهَارِ وَحَذَفَهُ مِنَ اللَّيْلِ، وَكُلٌّ مِنَ الْمَحْذُوفِ يَدُلُّ عَلَى مُقَابِلِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: جَعَلَ اللَّيْلَ مُظْلِمًا لِتَسْكُنُوا فِيهِ، وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا لِتَتَحَرَّكُوا فِيهِ فِي مَكَاسِبِكُمْ وَمَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ بِالْحَرَكَةِ، وَمَعْنَى تسمعون: سَمَاعٌ مُعْتَبَرٌ.
قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ. قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ. مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ: الضَّمِيرُ فِي قَالُوا عَائِدٌ عَلَى مَنْ نَسَبَ إِلَى اللَّهِ الْوَلَدَ، مِمَّنْ قَالَ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، أَوْ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، أَوْ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وسبحانه: تَنْزِيهٌ مِنَ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ وَتَعَجُّبٌ مِمَّنْ يَقُولُ ذَلِكَ، هُوَ الْغَنِيُّ عِلَّةٌ لِنَفْيِ الْوَلَدِ، لِأَنَّ اتِّخَاذَ الْوَلَدِ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى شَيْءٍ، فَالْوَلَدُ مُنْتَفٍ عَنْهُ، وَكُلُّ مَا فِي السموات وَالْأَرْضِ مِلْكُهُ فَهُوَ غَنِيٌّ عن اتخاذ الولد. وأن نَافِيَةٌ، وَالسُّلْطَانُ الْحُجَّةُ أَيْ: مَا عِنْدَكُمْ مِنْ حُجَّةٍ بِهَذَا الْقَوْلِ. قَالَ الْحَوْفِيُّ: وَبِهَذَا مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ يَعْنِي: الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الظَّرْفُ. وَتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فَقَالَ: الْبَاءُ حَقُّهَا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: إِنْ عِنْدَكُمْ عَلَى أَنْ يُجْعَلَ الْقَوْلُ مَكَانًا لِلسُّلْطَانِ كَقَوْلِكَ:
مَا عِنْدَكُمْ بِأَرْضِكُمْ نُورٌ، كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ عِنْدَكُمْ فِيمَا تَقُولُونَ سُلْطَانٌ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: وَبِهَذَا مُتَعَلِّقٌ بِسُلْطَانٍ أَوْ نعت له، وأ تقولون اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَتَوْبِيخٍ لِمَنِ اتَّبَعَ مَا لَا يَعْلَمُ، وَيُحْتَجُّ بِذَلِكَ فِي إِبْطَالِ التَّقْلِيدِ فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَاسْتَدَلَّ بِهَا نُفَاةُ الْقِيَاسِ وَأَخْبَارِ الْآحَادِ. وَلَمَّا نَفَى الْبُرْهَانَ عَنْهُمْ جَعَلَهُمْ غَيْرَ عَالِمِينَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ قَوْلٍ لَا بُرْهَانَ عَلَيْهِ لِقَائِلِهِ فَذَلِكَ جَهْلٌ وليس بعلم. والذين يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ عَامٌّ يَشْمَلُ مَنْ نَسَبَ إِلَى اللَّهِ الْوَلَدَ، وَمَنْ قَالَ فِي اللَّهِ وَفِي صِفَاتِهِ قَوْلًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْوَعِيدِ بِانْتِفَاءِ الْإِفْلَاحِ، وَلَمَّا نَفَى عَنْهُمُ الْفَلَاحَ وَكَانَ لَهُمْ حَظٌّ مِنْ إِفْلَاحِهِمْ فِي الدُّنْيَا لِحُظُوظٍ فِيهَا مِنْ مَالٍ وَجَاهٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ قِيلَ: مَتَاعٌ قَلِيلٌ جَوَابٌ على تقدير سؤال، أن قَائِلًا قَالَ: كَيْفَ لَا يُفْلِحُونَ وَهُمْ فِي الدُّنْيَا مُفْلِحُونَ بِأَنْوَاعٍ مِمَّا يَتَلَذَّذُونَ بِهِ، فَقِيلَ: ذَلِكَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا، أَوْ لَهُمْ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا زَائِلٌ لَا بَقَاءَ لَهُ، ثُمَّ يَلْقَوْنَ الشَّقَاءَ الْمُؤَبَّدَ فِي الآخرة.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧١ الى ٨٧]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (٧١) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥)
فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨) وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠)
فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢) فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣) وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥)
وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute