وَاقْتَضَى هَذَا التَّرْكِيبُ التَّخْيِيرَ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا آمِنِينَ، وَتَمَتَّعَ أَحَدُهُمْ بِالْعُمْرَةِ إِلَى وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَقَدْ فَسَّرْنَا مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ بِتَعَذُّرِ ثَمَنِ الْهَدْيِ، أَوْ فِقْدَانِ الْهَدْيِ، فَيَلْزَمُهُ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، أَيْ: فِي زَمَنِ وُقُوعِ الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَوَطَنِهِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ، وَإِنِ اخْتَلَفَ زَمَانُ صِيَامِهَا، فَمِنْهَا مَا يَصُومُهُ وَهُوَ مُلْتَبِسٌ بِهَذِهِ الطَّاعَةِ الشَّرِيفَةِ، وَمِنْهَا مَا يَصُومُهُ غَيْرَ مُلْتَبِسٍ بِهَا، لَكِنَّ الْجَمِيعَ كَامِلٌ فِي الثَّوَابِ وَالْأَجْرَ، إِذْ هُوَ مُمَثِّلٌ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَلَا فَرْقَ فِي الثَّوَابِ بَيْنَ مَا أَمَرَ بِإِيقَاعِهِ فِي الْحَجِّ، وَمَا أَمَرَ بِإِيقَاعِهِ فِي غَيْرِ الْحَجِّ.
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا التَّمَتُّعَ، وَلَازِمَهُ مِنَ الْهَدْيِ أَوِ الصَّوْمِ، هُوَ مَشْرُوعٌ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ، ثُمَّ لَمَّا تَقَدَّمَ مِنْهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَاتِ أوامر ونواهي، كَرَّرَ الْأَمْرَ بِالتَّقْوَى، وَأَعْلَمَ أَنَّهُ تَعَالَى شَدِيدُ الْعِقَابِ لِمَنْ خَالَفَ مَا شَرَعَ تَعَالَى.
وَجَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ شَدِيدَةُ الِالْتِئَامِ، مُسْتَحْكِمَةُ النِّظَامِ، منسوقا بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا كَنَسَقِ اللَّآلِئِ مُشْرِقَةُ الدَّلَالَةِ وَلَا كَإِشْرَاقِ الشَّمْسِ فِي بُرْجِهَا الْعَالِي. سَامِيَةٌ فِي الْفَصَاحَةِ إِلَى أَعَالِي الذُّرَى، مُعْجِزَةٌ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهَا أحد من الورى.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩٧ الى ٢٠٢]
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩) فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١)
أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٢٠٢)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute