للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِثْرَ شِدَّةٍ وَبَلَاءٍ كَانَتْ أَحْسَنَ مَوْقِعًا. إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ، أَيْ: لَطِيفُ التَّدْبِيرِ لِمَا يَشَاءُ مِنَ الْأُمُورِ، رفيق. ومن فِي قَوْلِهِ مِنَ الْمُلْكِ، وَفِي مِنْ تَأْوِيلِ لِلتَّبْعِيضِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْتِهِ إِلَّا بَعْضَ مُلْكِ الدُّنْيَا، وَلَا عَلَّمَهُ إِلَّا بَعْضَ التَّأْوِيلِ. وَيَبْعُدُ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ مِنْ زَائِدَةً، أَوْ جَعَلَهَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُلْكَ هُنَا مُلْكُ مِصْرَ. وَقِيلَ: مُلْكُ نَفْسِهِ مِنْ إِنْفَاذِ شَهْوَتِهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: مُلْكُ حُسَّادِهِ بِالطَّاعَةِ، وَنَيْلُ الْأَمَانِي مِنَ الْمُلْكِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ، وَعَمْرِو بْنِ ذَرٍّ:

آتَيْتَنِ، وَعَلَّمْتَنِ بِحَذْفِ الْيَاءِ مِنْهُمَا اكْتِفَاءً بِالْكَسْرَةِ عَنْهُمَا، مَعَ كَوْنِهِمَا ثَابِتَتَيْنِ خَطًّا. وَحَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ ذَرَانَةَ: قَرَأَ رَبِّ آتَيْتَنِي بِغَيْرٍ قَدْ، وَانْتَصَبَ فَاطِرَ عَلَى الصِّفَةِ، أو على النداء. وأنت وَلِيِّي تَتَوَلَّانِي بِالنِّعْمَةِ فِي الدَّارَيْنِ، وَتُوصِلُ الْمُلْكَ الْفَانِي بِالْمُلْكِ الْبَاقِي.

وَذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ لَمَّا عَدَّ نِعَمَ اللَّهِ عِنْدَهُ تَشَوَّقَ إِلَى لِقَاءِ رَبِّهِ وَلِحَاقِهِ بِصَالِحِي سَلَفِهِ، وَرَأَى أَنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا فَانِيَةٌ فَتَمَنَّى الْمَوْتَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يَتَمَنَّ الْمَوْتَ حَيٌّ غَيْرُ يُوسُفَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ تَمَنِّي الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا عَدَّدَ نِعَمَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَعَا أَنْ يُتِمَّ عَلَيْهِ النِّعَمَ فِي بَاقِي أَمْرِهِ أَيْ: تَوَفَّنِي إِذَا حَانَ أَجْلِي عَلَى الْإِسْلَامِ، وَاجْعَلْ لِحَاقِي بِالصَّالِحِينَ. وَإِنَّمَا تَمَنَّى الْوَفَاةَ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا الموت، والصالحين أَهْلُ الْجَنَّةِ أَوِ الْأَنْبِيَاءُ، أَوْ آبَاؤُهُ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ. وَعُلَمَاءُ التَّارِيخِ يَزْعُمُونَ أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَاشَ مِائَةَ عَامٍ وَسَبْعَةَ أَعْوَامٍ، وَلَهُ مِنَ الْوَلَدِ: إفرائيم، وَمَنْشَا، وَرَحْمَةُ زَوْجَةُ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَوُلِدَ لِإِفْرَاثِيمَ نُونٌ، وَلِنُونٍ يُوشَعُ، وَهُوَ فَتَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَوُلِدَ لِمَنْشَا مُوسَى، وَهُوَ قَبْلَ مُوسَى بْنِ عمران عليه السلام. وَيَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ أَنَّهُ صَاحِبُ الْخَضِرِ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُنْكِرُ ذَلِكَ. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ صَاحِبَ الْخَضِرِ هُوَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ، وَتَوَارَثَتِ الْفَرَاعِنَةُ مُلْكَ مِصْرَ، وَلَمْ تَزَلْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ عَلَى بَقَايَا دِينِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى أَنْ بُعِثَ موسى عليه السلام.

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٠٢ الى ١١١]

ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢) وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)

أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٠٧) قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ مَا كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١)

<<  <  ج: ص:  >  >>