اتَّخَذَ مَوْطِنًا، وَالظَّاهِرُ اتِّخَاذُ البيوت بمصر. قَالَ الضَّحَّاكُ: وَهِيَ مِصْرُ المحروسة، ومصر مِنَ الْبَحْرِ إِلَى أَسْوَانَ، وَالْأَسْكَنْدَرِيَّةُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الْأَسْكَنْدَرِيَّةُ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ خَرَّبَ مَسَاجِدَهُمْ وَمَوَاضِعَ عِبَادَاتِهِمْ، وَمَنَعَهُمْ مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَكَلَّفَهُمُ الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ. وَكَانُوا فِي أَوَّلِ أَمْرِهِمْ مَأْمُورِينَ بِأَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ فِي خُفْيَةٍ مِنَ الْكَفَرَةِ لِئَلَّا يَظْهَرُوا عَلَيْهِمْ، فَيَرُدُّوهُمْ وَيَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، كَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ. وَقَرَأَ حَفْصٌ فِي رِوَايَةِ هُبَيْرَةَ: تَبَوَّيَا بِالْيَاءِ، وَهَذَا تَسْهِيلٌ غَيْرُ قِيَاسِيٍّ، وَلَوْ جَرَى عَلَى الْقِيَاسِ لَكَانَ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْأَلِفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِأَنْ يَجْعَلَ قِبْلَةً هِيَ الْمَأْمُورُ بِتَبَوُّئِهَا. وَمَعْنَى قِبْلَةً مَسَاجِدَ: أُمِرُوا بِأَنْ يَتَّخِذُوا بُيُوتَهُمْ مَسَاجِدَ قَالَهُ:
النَّخَعِيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، وَعَنْهُ أَيْضًا: قِبَلَ مَكَّةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالْفَرَّاءُ: أُمِرُوا بِأَنْ يَجْعَلُوهَا مُسْتَقْبِلَةَ الْكَعْبَةِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وابن جبير: قِبْلَةً يُقَابِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَهَذَا قَبْلَ نُزُولِ التَّوْرَاةِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ إِلَّا بَعْدَ إِجَارَةِ الْبَحْرِ. وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي: بِالنَّصْرِ فِي الدُّنْيَا وَبِالْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ أَمْرٌ لموسى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَتَبَوَّآ لِقَوْمِهِمَا وَيَخْتَارَاهَا لِلْعِبَادَةِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُفَوَّضُ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ. ثُمَّ نَسَّقَ الْخِطَابَ عَامًّا لَهُمَا وَلِقَوْمِهِمَا بِاتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ وَالصَّلَاةِ فِيهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الْجُمْهُورِ، ثُمَّ خُصَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالتَّبْشِيرِ الَّذِي هُوَ الْغَرَضُ تَعْظِيمًا لَهُ وَلِلْمُبَشَّرِ بِهِ.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٨٨ الى ١٠٩]
وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٨٩) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٩٢)
وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧)
فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (١٠٠) قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠١) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (١٠٢)
ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧)
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute