للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ: لَمَّا بَالَغَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي إِظْهَارِ الْمُعْجِزَاتِ وَهُمْ مُصِرُّونَ عَلَى الْعِنَادِ وَاشْتَدَّ أَذَاهُمْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ آمَنَ مَعَهُ، وَهُمْ لَا يَزِيدُونَ عَلَى عَرْضِ الْآيَاتِ إِلَّا كُفْرًا، وَعَلَى الإنذار إلا استكبارا. أو علم بِالتَّجْرِبَةِ وَطُولِ الصُّحْبَةِ أَنَّهُ لَا يَجِيءُ مِنْهُمْ إِلَّا الْغَيُّ وَالضَّلَالُ، أَوْ عَلِمَ ذَلِكَ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، دَعَا اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِمَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ غَيْرُهُ كَمَا تَقُولُ: لَعَنَ اللَّهُ إِبْلِيسَ وَأَخْزَى الْكَفَرَةَ. كَمَا دَعَا نُوحٌ عَلَى قَوْمِهِ حِينَ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ «١» وَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيِ الدُّعَاءِ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ النِّعْمَةِ فِي الدُّنْيَا وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْإِيمَانِ بِهِ وَلِشُكْرِ نِعَمِهِ، فَجَعَلُوا ذَلِكَ سَبَبًا لِجُحُودِهِ وَلِكُفْرِ نِعَمِهِ. وَالزِّينَةُ عِبَارَةٌ عَمَّا يُتَزَيَّنُ بِهِ وَيُتَحَسَّنُ مِنَ الْمَلْبُوسِ وَالْمَرْكُوبِ وَالْأَثَاثِ وَالْمَالُ، مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الصَّامِتِ وَالنَّاطِقِ. قَالَ الْمُؤَرِّخُونَ وَالْمُفَسِّرُونَ: كَانَ لَهُمْ فُسْطَاطُ مِصْرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ جِبَالٌ فِيهَا مَعَادِنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ. وَفِي تَكْرَارِ رَبَّنَا تَوْكِيدٌ لِلدُّعَاءِ وَالِاسْتِغَاثَةِ، وَاللَّامُ فِي لِيُضِلُّوا الظَّاهِرُ أَنَّهَا لَامُ كَيْ عَلَى مَعْنَى: آتَيْتَهُمْ مَا آتَيْتَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِدْرَاجِ، فَكَانَ الْإِتْيَانُ لِكَيْ يُضِلُّوا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لَامَ الصَّيْرُورَةِ وَالْعَاقِبَةِ كَقَوْلِهِ: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً «٢» وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

وَلِلْمَنَايَا تُرَبِّي كُلُّ مُرْضِعَةٍ ... وَلِلْخَرَابِ يَجِدُّ النَّاسُ عُمْرَانَا

وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ، وَبِهَذَا بَدَأَ الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ: كَأَنَّهُ قَالَ لِيَثْبُتُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالِ، وَلِيَكُونُوا ضُلَّالًا، وَلِيَطْبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا. وَيَبْعُدُ أَنْ يكون دعاء قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ لِيُضِلُّوا بِضَمِّ الْيَاءِ، إِذْ يَبْعُدُ أَنْ يَدْعُوَ بِأَنْ يَكُونُوا مُضِلِّينَ غَيْرَهُمْ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْكُوفِيِّينَ، وَقَتَادَةَ وَالْأَعْمَشِ، وَعِيسَى، وَالْحَسَنِ، وَالْأَعْرَجِ بِخِلَافٍ عَنْهُمَا. وَقَرَأَ الْحَرَمِيَّانِ، وَالْعَرَبِيَّانِ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو رَجَاءٍ، وَالْأَعْرَجُ، وَشَيْبَةُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَأَهْلُ مَكَّةَ:

بِفَتْحِهَا. وَقَرَأَ الشَّعْبِيُّ بِكَسْرِهَا، وَالَى بَيْنَ الْكَسَرَاتِ الثَّلَاثِ. وَقِيلَ: لَا مَحْذُوفَةٌ، التَّقْدِيرُ لِئَلَّا يَضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ قَالَهُ: أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ. وَقَرَأَ أَبُو الْفَضْلِ الرَّقَاشِيُّ: أَإِنَّكَ آتَيْتَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ. وَلَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَمْوَالِ وَهِيَ أَعَزُّ مَا ادُّخِرَ دَعَا بِالطُّمُوسِ عَلَيْهَا وَهِيَ التعفية


(١) سورة هود: ١١/ ٣٦.
(٢) سورة القصص: ٢٨/ ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>