عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِمْ مِنَ الْأَجْسَامِ اللَّطِيفَةِ وَلَوْ أَرَادَ نَفْيَ رُؤْيَتِنَا عَلَى الْعُمُومِ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَكَانَ يَكُونُ التَّرْكِيبُ أَنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ وَأَنْتُمْ لَا تَرَوْنَهُمْ وَأَيْضًا فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ فِي الْآيَةِ دَلَالَةً لَكَانَ مِنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِالْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الْمُسْتَفِيضِ فَيَكُونُونَ مَرْئِيِّينَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِبَعْضِ النَّاسِ فِي بعض الأحيان وفي كتب التَّحْرِيرِ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُكَمَاءِ تَكَرُّرَ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَتَصَوُّرَهُمْ عَلَى أَيِّ جِهَةٍ شاؤوا وَقَوْلُهُ إِنَّهُ يَراكُمْ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ وَتَحْذِيرٌ مِنْ فِتْنَتِهِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدُوِّ الْمُدَاجِي يَكِيدُكُمْ وَيَغْتَالُكُمْ مِنْ حَيْثُ لَا تَشْعُرُونَ
وَفِي الْحَدِيثِ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ
إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُفَارِقُهُ وَأَنَّهُ يَرْصُدُ غَفَلَاتِهِ فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي إِنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الشَّيْطَانِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:
وَالضَّمِيرُ فِي إِنَّهُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَالْحَدِيثُ انْتَهَى، وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى هَذَا وَقَبِيلُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِ فِي يَراكُمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً مَحْذُوفَ الْخَبَرِ أَوْ مَعْطُوفًا عَلَى مَوْضِعِ اسْمِ إِنَّ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ، وَقَرَأَ الْيَزِيدِيُّ وَقَبِيلُهُ بِنَصْبِ اللَّامِ عَطْفًا عَلَى اسْمِ إِنَّ إِنْ كَانَ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الشَّيْطَانِ وَقَبِيلُهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ أَيْ مَعَ قبيله، وقرىء شَاذًّا مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُ بِإِفْرَادِ الضَّمِيرِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى الشَّيْطَانِ وَقَبِيلُهُ إِجْرَاءٌ لَهُ مَجْرَى اسْمِ الْإِشَارَةِ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ:
فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَلَقْ ... كَأَنَّهُ فِي الْجِلْدِ تَوْلِيعُ الْبَهَقْ
أَيْ كَانَ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَادَ الضَّمِيرُ عَلَى الشَّيْطَانِ وَحْدَهُ لِكَوْنِهِ رَأْسَهُمْ وَكَبِيرَهُمْ وَهُمْ لَهُ تَبَعٌ وَهُوَ الْمُفْرَدُ بِالنَّهْيِ أَوَّلًا.
إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ أَيْ صَيَّرْنَا الشَّيَاطِينَ نَاصِرِيهِمْ وَعَاضِدِيهِمْ فِي الْبَاطِلِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: سلطناهم عليهم يزيدن فِي غَيِّهِمْ فَيُتَابِعُونَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَصَارُوا أَوْلِيَاءَهُمْ، وَقِيلَ: جَعَلْنَاهُمْ قُرَنَاءَ لَهُمْ، وَحَكَى الزَّهْرَاوِيُّ أَنَّ جَعَلَ هُنَا بمعنى وصف وهي نزغة اعْتِزَالِيَّةٌ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: خَلَّيْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ لَمْ نَكُفَّهُمْ عَنْهُمْ حَتَّى تَوَلَّوْهُمْ وَأَطَاعُوهُمْ فِيمَا سَوَّلُوا لَهُمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي وَهَذَا تَحْذِيرٌ آخَرُ أَبْلَغُ مِنَ الْأَوَّلِ، انْتَهَى، وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الاعتزال.
[[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٨]]
وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (٢٨)
وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها أَيْ إِذَا فَعَلُوا مَا تَفَاحَشَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute