للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْغَنَائِمِ وَلَمْ يَمُدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَيْهَا فَنَزَلَتْ، وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلَهُ فَكُلُوا مُتَسَبِّبًا عَنْ جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ هِيَ سَبَبٌ وَأَفَادَتْ ذَلِكَ الْفَاءُ وَقَدَّرَهَا قَدْ أَبَحْتُ لَكُمُ الْغَنَائِمَ فَكُلُوا، وَقَالَ الزَّجَّاجُ الْفَاءُ لِلْجَزَاءِ وَالْمَعْنَى قَدْ أَحْلَلْتُ لكم الفداء فلكوا وَأَمَرَ تَعَالَى بِتَقْوَاهُ لِأَنَّ التَّقْوَى حَامِلَةٌ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ وَعَدَمِ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ إِذْنٌ فَفِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى التَّقْوَى مَنْ مَالَ إِلَى الْفِدَاءِ ثُمَّ جَاءَتِ الصِّفَتَانِ مُشْعِرَتَيْنِ بِغُفْرَانِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ عَنِ الَّذِينَ مَالُوا إِلَى الْفِدَاءِ قَبْلَ الْإِذْنِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَاهُ إِذَا اتقيتموه بعد ما فَرَطَ مِنْكُمْ مِنِ اسْتِبَاحَةِ الْفِدَاءِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ فِيهِ غَفَرَ لَكُمْ وَرَحِمَكُمْ وَتَابَ عَلَيْكُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَجَاءَ قَوْلُهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ اعْتِرَاضًا فَصِيحًا فِي أَثْنَاءِ الْقَوْلِ لِأَنَّ قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ هُوَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً، وَقِيلَ غَفُورٌ لِمَا أتيتم بإحلال ما غنمتم.

[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٧٠ الى ٧١]

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١)

نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَقِيبَ بَدْرٍ فِي أَسْرَى بَدْرٍ أُعْلِمُوا أَنَّ لَهُمْ مَيْلًا إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُمْ يُؤَمِّلُونَهُ إِنْ فُدُوا وَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، وَقِيلَ فِي عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ قَالُوا لِلرَّسُولِ: آمَنَّا بِمَا جِئْتَ وَنَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَنَنْصَحَنَّ لَكَ عَلَى قَوْمِنَا وَمَعْنَى فِي أَيْدِيكُمْ أَيْ مَلَّكْتُكُمْ كَأَنَّ الْأَيْدِيَ قَابِضَةٌ عَلَيْهِمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأُسَارَى كَانُوا سَبْعِينَ وَالْقَتْلَى سَبْعِينَ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حِينَ جِيءَ بِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ شُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

وَقَالَ مَالِكٌ: كَانُوا مُشْرِكِينَ وَمِنْهُمُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَسَرَهُ أَبُو الْيُسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو أَخُو بَنِي سَلِمَةَ وَكَانَ قَصِيرًا وَالْعَبَّاسُ ضَخْمٌ طَوِيلٌ فَلَمَّا جَاءَ بِهِ قَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ»

وَعَنِ الْعَبَّاسِ كَنْتُ مُسْلِمًا وَلَكِنَّهُمُ اسْتَكْرَهُونِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «أن يَكُنْ مَا تَقُولُ حَقًّا فالله يجريك فَأَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ فَقَدْ كُنْتَ عَلَيْنَا»

وَكَانَ أَحَدَ الَّذِينَ ضَمِنُوا إِطْعَامَ أَهْلِ بَدْرٍ وَخَرَجَ بِالذَّهَبِ لِذَلِكَ،

وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ افْدِ ابْنَيْ أَخِيكَ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ تَرَكْتَنِي أَتَكَفَّفُ قُرَيْشًا مَا بَقِيتُ، فَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ الْمَالُ الَّذِي دَفَعْتَهُ إِلَى أُمِّ الْفَضْلِ وَقْتَ خُرُوجِكَ مِنْ مَكَّةَ وَقُلْتَ لَهَا: لَا أَدْرِي مَا يُصِيبُنِي فِي وَجْهِي هَذَا فَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>