للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَهُوَ لَكِ وَلِعَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ وَالْفَضْلِ» ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: وَمَا يُدْرِيكَ قَالَ:

«أَخْبَرَنِي بِهِ رَبِّي» ، قَالَ الْعَبَّاسُ: فَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنْتَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاللَّهِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ وَلَقَدْ دَفَعْتُهُ إِلَيْهَا فِي سَوَادِ اللَّيْلِ وَلَقَدْ كُنْتُ مُرْتَابًا فِي أَمْرِكَ فَأَمَّا إِذَا أَخْبَرْتَنِي بِذَلِكَ فَلَا رَيْبَ، قَالَ الْعَبَّاسُ فَأَبْدَلَنِي اللَّهُ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ لِيَ الْآنَ عِشْرُونَ عَبْدًا إِنَّ أَدْنَاهُمْ لَيَضْرِبُ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا وَأَعْطَانِي زَمْزَمَ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا جَمِيعَ أَمْوَالِ مَكَّةَ وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْمَغْفِرَةَ مِنْ رَبِّي.

وَرُوِيَ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ ثَمَانُونَ أَلْفًا فَتَوَضَّأَ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَمَا صَلَّى حَتَّى فَرَّقَهُ وَأَمَرَ الْعَبَّاسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ فَأَخَذَ مَا قَدَرَ عَلَى حَمْلِهِ وَكَانَ يَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِمَّا أُخِذَ مِنِّي وَأَرْجُو الْمَغْفِرَةَ

وَمَعْنَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ إِنْ يَتَبَيَّنْ لِلنَّاسِ عِلْمُ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً أَيْ إِسْلَامًا كَمَا زَعَمْتُمْ بِأَنْ تُظْهِرُوا الْإِسْلَامَ فَإِنَّهُ سَيُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ بِالْفِدَاءِ وَسَيَغْفِرُ لَكُمْ مَا اجْتَرَحْتُمُوهُ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْأَسْرى وَابْنُ مُحَيْصِنٍ مِنْ أَسْرَى مُنَكَّرًا وَقَتَادَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَأَبُو عَمْرٍو مِنَ السَّبْعَةِ مِنَ الْأُسَارَى وَاخْتُلِفَ عَنِ الْحَسَنِ وَعَنِ الْجَحْدَرِيِّ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ يُثِبْكُمْ خَيْرًا مِنَ الثَّوَابِ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو حَيْوَةَ وَشَيْبَةُ وَحُمَيْدٌ مِمَّا أَخَذَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَإِيتَاءُ هَذَا الْخَيْرِ، قِيلَ فِي الدُّنْيَا وَقِيلَ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ فِيهِمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي وَإِنْ يُرِيدُوا عَلَى الْأَسْرَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ، وَالْخِيَانَةُ هِيَ كَوْنُهُمْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ بَعْضُهُمْ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى دِينِهِمْ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ لِخُرُوجِهِمْ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَإِنْ يُرِيدُوا يَعْنِي الْأَسْرَى خِيَانَتَكَ يَعْنِي نَقْضَ مَا عَهِدُوا مَعَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ بِالْكُفْرِ وَالشُّكْرِ قَبْلَ الْعَهْدِ، وَقِيلَ: قَبْلَ بَدْرٍ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ أَوْ فَأَمْكَنَكَ مِنْهُمْ وَهَزَمْتَهُمْ وَأَسَرْتَهُمْ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: خِيانَتَكَ أَيْ يَنْكُثُ مَا بَايَعُوكَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ وَاسْتِحْبَابِ دِينِ آبَائِهِمْ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فِي كُفْرِهِمْ وَنَقْضِ مَا أُخِذَ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ مِنْ مَشَاقِّهِ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ كَمَا رَأَيْتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَسَيُمْكِنُ مِنْهُمْ إِنْ أَعَادُوا الْخِيَانَةَ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْخِيَانَةِ مَنْعُ مَا ضَمِنُوا مِنَ الْفِدَاءِ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إِنْ أَخْلَصُوا فُعِلَ بِهِمْ كَذَا وَإِنْ أَبْطَنُوا خِيَانَةً مَا رَغِبُوا أَنْ يُؤْتَمَنُوا عَلَيْهِ مِنَ الْعَهْدِ فَلَا يَسُرُّهُمْ ذَلِكَ وَلَا يَسْكُنُونَ إِلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ بِالْمِرْصَادِ فَهُمُ الَّذِينَ خَانُوهُ بِكُفْرِهِمْ وَتَرْكِهِمُ النَّظَرَ فِي آيَاتِهِ وَهُوَ قَدْ بَيَّنَهَا لَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ إِدْرَاكًا يُحَصِّلُونَهَا بِهِ فَصَارَ ذَلِكَ كَعَهْدٍ مُتَقَرَّرٍ فَجُعِلَ جَزَاؤُهُمْ عَلَى خِيَانَتِهِمْ إِيَّاهُ أَنْ مَكَّنَ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنِينَ وَجَعَلَهُمْ أَسْرَى فِي أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يُبْطِنُونَهُ مِنْ إِخْلَاصٍ أَوْ خِيَانَةٍ حَكِيمٌ فِيمَا يُجَازِيهِمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>