اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَصِيرُ إِلَى سُرُورٍ وَحُبُورٍ وَلَذَّةٍ دَائِمَةٍ لَا تَنْقَضِي، يُؤْثِرُ الْوُصُولَ إِلَى ذَلِكَ، وَانْقِضَاءَ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الذِّلَّةِ وَالنَّكَدِ. وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ تَمَنِّيَ الْمَوْتِ لَا يَقَعُ مِنْهُمْ أَبَدًا، وَأَنَّ امْتِنَاعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ هُوَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْجَرَائِمِ، فَظَهَرَ كَذِبُهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ. ثُمَّ أَخْبَرَ تَرْشِيحًا لِمَا قَبْلَهُ مِنْ عَدَمِ تَمَنِّيهِمُ الْمَوْتَ، أَنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ حِرْصًا عَلَى حَيَاةٍ، حَتَّى إِنَّهُمْ أَحْرَصُ مِنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَلَا يَرْجُونَ ثَوَابًا، وَلَا يَخَافُونَ عِقَابًا. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَوَدُّ أَنْ يُعَمَّرَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَتَعْمِيرُهُ، وَإِنْ طَالَ، لَيْسَ بِمُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
ثُمَّ خَتَمَ الْآيَاتِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى قَبَائِحِ أَفْعَالِهِمْ، وَمُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا. وَتَبَيَّنَ بِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْآيَاتِ مَا جُبِلَ عَلَيْهِ الْيَهُودُ مِنْ فَرْطِ كَذِبِهِمْ، وَتَنَاقُضِ أفعالهم وأقوالهم، ونقض عُقُولِهِمْ، وَكَثْرَةِ بُهْتِهِمْ، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَسَلَكَ بنا أنهج المسالك.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٩٧ الى ١٠٣]
قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧) مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (٩٨) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (٩٩) أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠٠) وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٠١)
وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٣)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute