أَشَقِيَةٍ وَأُعْطِيَةٍ، جَمْعُ شَقَاءٍ وَعَطَاءٍ. وَفِي هَذَا الْإِخْبَارِ تَنْبِيهٌ وَتَحْذِيرٌ مِنَ الْغَفْلَةِ، وَأَفْرَدَ الْمَسْأَلَةَ لِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي الْإِيصَالِ.
وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ بِسَبَبِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، كَانَ مَرِيضًا فَوَضَعَ سِلَاحَهُ فَعَنَّفَهُ بَعْضُ النَّاسِ. وَلَمَّا كَانَتْ هَاتَانِ الْحَالَتَانِ مِمَّا يَشُقُّ حَمْلُ السِّلَاحِ فِيهِمَا، وَرُخِّصَ فِي ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ لِأَنَّ حَمْلَهُ السِّلَاحَ مِمَّا يُكْرَهُ بِهِ وَيَزِيدُ فِي مَرَضِهِ، وَرُخِّصَ فِي ذَلِكَ إِنْ كَانَ مَطَرٌ، لِأَنَّ الْمَطَرَ مِمَّا يُثْقِلُ الْعَدُوَّ وَيَمْنَعُهُ مِنْ خِفَّةِ الْحَرَكَةِ لِلْقِتَالِ. وَقَالَ: إِنْ يَتَأَذَّوْا مِنْ مَطَرٍ إِلَّا لَحِقَ الْكُفَّارَ مِنْ أَذَاهُ مَا لَحِقَ الْمُسْلِمِينَ غَالِبًا إِنْ كَانَا مُتَقَارِبَيْنِ فِي الْمَسَافَةِ ومرضا إِمَّا لِجِرَاحَةٍ سَبَقَتْ، أَوْ لِضَعْفِ بِنْيَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدُّ مَرَضًا، وَتَكْرِيرُ الْأَمْرِ بِأَخْذِ الْحَذَرِ فِي الصَّلَاةِ. وَفِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَوْكِيدِ التَّأَهُّبِ وَالِاحْتِرَازِ مِنَ الْعَدُوِّ، فَإِنَّ الْجَيْشَ كَثِيرًا مَا يُصَابُ مِنَ التَّفْرِيطِ فِي الْحَذَرِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ: وَخُذُوا حِذْرَكُمْ، أَيْ: تَقَلَّدُوا سُيُوفَكُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَذَرَ الْغُزَاةَ.
إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْأَمْرُ بِالْحَذَرِ مِنَ الْعَدُوِّ يُوهِمُ تَوَقُّعَ غَلَبَةٍ وَاغْتِرَارٍ، فَنَفَى عَنْهُمْ ذَلِكَ الْإِيهَامَ بِإِخْبَارِهِمْ أَنَّ اللَّهَ يُهِينُ عَدُوَّهُمْ، وَيَخْذُلُهُمْ، وَيَنْصُرُهُمْ عَلَيْهِ لِتَقْوَى قُلُوبُهُمْ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْحَذَرِ لَيْسَ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعَبُّدٌ مِنَ اللَّهِ، كَمَا قَالَ: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ «١» .
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٠٣ الى ١١٣]
فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (١٠٣) وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧)
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (١١٢)
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣)
(١) سورة البقرة: ٢/ ١٩٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute