للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا التَّوَعُّدِ، فَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُوَ تَوَعُّدٌ بِمَا يَقَعُ فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ قَوْمٌ:

بَلْ تَوَعُّدٌ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَقَرَأَ أُبَيٌّ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ: فِي ظِلَالٍ، وَكَذَلِكَ رَوَى هَارُونُ بْنُ حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، هُنَا وَفِي الْحَرْفَيْنِ فِي الزُّمَرِ، وَهِيَ: جُمَعُ ظُلَّةٍ، نَحْوَ: قُلَّةٍ وَقِلَالٍ، وَهُوَ جَمْعٌ لَا يَنْقَاسُ، بِخِلَافِ: ظُلَلٍ، فَإِنَّهُ جَمْعٌ مُنْقَاسٌ، أَوْ جَمْعُ: ظُلٍّ نَحْوَ ضُلٍّ وَضُلَّالٍ.

وَ: في ظلل، متعلق بيأتيهم، وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ حَالًا فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، وَ: مِنَ الْغَمَامِ، فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِظُلَلٍ، وَجَوَّزُوا أَنْ يَتَعَلَّقَ بيأتيهم، أَيْ مِنْ نَاحِيَةِ الْغَمَامِ، فَتَكُونُ:

مِنْ، لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَأَبُو حَيْوَةَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ: وَالْمَلَائِكَةِ، بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى: فِي ظُلَلٍ، أَوْ عَطْفًا عَلَى الْغَمَامِ، فَيَخْتَلِفُ تَقْدِيرُ حَرْفِ الْجَرِّ، إِذْ عَلَى الْأَوَّلِ التَّقْدِيرُ: وَفِي الْمَلَائِكَةِ، وَعَلَى الثَّانِي التَّقْدِيرُ: وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى: اللَّهُ، وَقِيلَ: فِي هَذَا الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، فالإتيان في الظل مُضَافٌ إِلَى الْمَلَائِكَةِ، وَالتَّقْدِيرُ: إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ فِي ظُلَلٍ، فَالْمُضَافُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الإتيان فَقَطْ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قِرَاءَةُ عبد الله، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ فِي ظُلَلٍ.

وَقُضِيَ الْأَمْرُ مَعْنَاهُ: وَقَعَ الْجَزَاءُ وَعُذِّبَ أَهْلُ الْعِصْيَانِ، وَقِيلَ: أُتِمَّ أَمَرُ هَلَاكِهِمْ وَفُرِغَ مِنْهُ، وَقِيلَ: فُرِغَ مِنْ وَقْتِ الِانْتِظَارِ وَجَاءَ وَقْتُ الْمُؤَاخَذَةِ، وَقِيلَ: فُرِغَ لَهُمْ مِمَّا يُوعَدُونَ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ: فُرِغَ مِنَ الْحِسَابِ وَوَجَبَ الْعَذَابُ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةٌ.

وَقُضِيَ الْأَمْرُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: يَأْتِيَهُمْ، فَهُوَ مِنْ وَضْعِ الْمَاضِي مَوْضِعَ الْمُسْتَقْبَلِ، وَعَبَّرَ بِالْمَاضِي عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّهُ كَالْمَفْرُوغِ مِنْهُ الَّذِي وَقَعَ، وَالتَّقْدِيرُ: وَيُقْضَى الْأَمْرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إِخْبَارًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ: فُرِغَ مِنْ أَمْرِهِمْ بِمَا سَبَقَ فِي الْقَدَرِ، فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ لَا أَنَّهُ فِي حَيِّزٍ مَا يُنْتَظَرُ.

وَقَرَأَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: وَقَضَاءُ الْأَمْرِ، قَالَ: قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَلَى الْمَصْدَرِ الْمَرْفُوعِ عَطْفًا عَلَى الْمَلَائِكَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ بِالْمَدِّ وَالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الْمَلَائِكَةِ، وَقِيلَ: وَيَكُونُ: فِي، عَلَى هَذَا بِمَعْنَى الْبَاءِ، أَيْ: بِظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ، وَبِالْمَلَائِكَةِ، وَبِقَضَاءِ الْأَمْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>