للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَفْهُومُهُ كُلُّ شَيْءٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَمَرْجِعُهُ إِلَى اللَّهِ، بَيَّنَهُ بِمَا نَزَلَ فِي الْكِتَابِ، أَوْ إِلَى الْكِتَابِ إِذْ فِيهِ جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُكَلَّفُ، أَوْ إِلَى النَّبِيِّ يُوَضِّحُهُ بِالْكِتَابِ عَلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي سَبَقَتْ فِي الْفَاعِلِ فِي قَوْلِهِ: لِيَحْكُمَ.

وَالَّذِينَ أُوتُوهُ أَرْبَابُ الْعِلْمِ بِهِ وَالدِّرَاسَةِ لَهُ، وَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ تَنْبِيهًا مِنْهُ عَلَى شَنَاعَةِ فِعْلِهِمْ، وَقَبِيحِ مَا فَعَلُوهُ مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَلِأَنَّ غَيْرَهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ فِي الِاخْتِلَافِ فَهُمْ أَصْلُ الشَّرِّ، وَأَتَى بِلَفْظِ: مِنْ، الدَّالَّةِ عَلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ مُنَبَّهًا عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ مُتَّصِلٌ بِأَوَّلِ زَمَانِ مَجِيءِ الْبَيِّنَاتِ، لَمْ يَقَعْ مِنْهُمُ اتِّفَاقٌ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَ الْمَجِيءِ، بَلْ بِنَفْسِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ اخْتَلَفُوا، لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا فَتْرَةٌ.

وَالْبَيِّنَاتُ: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ، فَالَّذِينَ أُوتُوهُ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، أَوْ جَمِيعُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، فَالَّذِينَ أُوتُوهُ عُلَمَاءُ كُلِّ مِلَّةٍ، أَوْ مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِينَ أوتوه الْيَهُودُ، أَوْ مُعْجِزَاتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِينَ أُوتُوهُ جَمِيعُ الْأُمَمِ، أَوْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِينَ أُوتُوهُ مَنْ بُعِثَ إِلَيْهِمْ.

وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْبَيِّنَاتِ هِيَ مَا أَوْضَحَتْهُ الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ عَلَى أَنْبِيَاءِ الْأُمَمِ الْمُوجِبَةِ الِاتِّفَاقَ وَعَدَمَ الِاخْتِلَافِ، فَجَعَلُوا مَجِيءَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ سَبَبًا لِاخْتِلَافِهِمْ، وَذَلِكَ أَشْنَعُ عَلَيْهِمْ، حَيْثُ رَتَّبُوا عَلَى الشَّيْءِ خِلَافَ مُقْتَضَاهُ.

ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الِاخْتِلَافَ الَّذِي كَانَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَيْسَ لِمُوجِبٍ وَلَا دَاعٍ إِلَّا مُجَرَّدَ الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي.

وَانْتِصَابُ: بَغْيًا، عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَ: بَيْنَهُمْ، فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لَهُ، فَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: كَائِنًا بَيْنَهُمْ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: أَنَّهُ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ: بَاغِينَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الِاخْتِلَافِ هُوَ الْبَغْيُ، وَسَبَبُ هَذَا الْبَغْيِ حَسَدُهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عَلَى النُّبُوَّةِ، أَوْ كَتْمُهُمْ صِفَتَهُ الَّتِي فِي التَّوْرَاةِ، أَوْ طَلَبُهُمُ الدُّنْيَا وَالرِّئَاسَةَ فِيهَا أَقْوَالٌ:

فَالْأَوَّلَانِ: يَخْتَصَّانِ بِمَنْ يَحْضُرُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ، وَالثَّالِثُ:

يَكُونُ لِسَائِرِ الْأُمَمِ الْمُخْتَلِفِينَ، وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ كَانَ بَعْدَ وُجُودِ الِاخْتِلَافِ الْأَوَّلِ، وَلِذَلِكَ قَالَ:

لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالِاخْتِلَافُ الثَّانِي الْمَعْنِيُّ بِهِ ازْدِيَادُ الِاخْتِلَافِ، أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>