للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ إِعْرَابًا، كَالْكَلَامِ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا.

وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ حَيْثُ كَلَّفَكُمُ الْقِتَالَ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى، لِأَنَّ عَوَاقِبَ الْأُمُورِ مُغَيَّبَةٌ عَنْ عِلْمِكُمْ، وَفِي هَذَا الْكَلَامِ تَنْبِيهٌ عَلَى الرِّضَى بِمَا جَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، قَالَ الْحَسَنُ: لَا تَكْرَهُوا الْمُلِمَّاتِ الْوَاقِعَةَ، فَلَرُبَّ أَمْرٍ تَكْرَهُهُ فِيهِ أَرَبُكَ، وَلَرُبَّ أَمْرٍ تُحِبُّهُ فِيهِ عَطَبُكَ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ:

رُبَّ أَمْرٍ تَتَّقِيهِ ... جَرَّ أَمْرًا تَرْتَضِيهِ

خُفِيَ الْمَحْبُوبُ مِنْهُ ... وَبَدَا الْمَكْرُوهُ فِيهِ

وَقَالَ الْوَضَّاحِيُّ:

رُبَّمَا خُيِّرَ الْفَتَى ... وَهْوَ لِلْخَيْرِ كَارِهُ

وَقَالَ ابْنُ السَّرْحَانِ:

كَمْ فَرْحَةٌ مَطْوِيَّةٌ ... لَكَ بَيْنَ أَثْنَاءِ الْمَصَائِبْ

وَمَسَرَّةٌ قَدْ أَقْبَلَتْ ... مِنْ حَيْثُ تُنْتَظَرُ النَّوَائِبْ

وَقَالَ آخَرُ:

كَمْ مَرَّةً حَفَّتْ بِكَ الْمَكَارِهْ ... خَارَ لَكَ اللَّهُ وَأَنْتَ كَارِهْ

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ؟ طَوَّلَ الْمُفَسِّرُونَ فِي ذكر سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي عِدَّةِ أَوْرَاقٍ، وَمُلَخَّصُهَا وَأَشْهَرُهَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيِّ حِينَ بعثة رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَمَانِيَةٍ مَعَهُ: سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُكَاشَةَ بْنِ محيصن، وَعُقْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، وَأَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَسُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ، وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَوَافِدِ بن عبد الله، وخالد بْنِ بُكَيْرٍ، وَأَمِيرِهِمْ عَبْدِ اللَّهِ يَتَرَصَّدُونَ عِيرَ قُرَيْشٍ بِبَطْنِ نَخْلَةَ، فَوَصَلُوهَا، وَمَرَّتِ الْعِيرُ فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ جُمَادَى عَلَى ظَنِّهِمْ، وَهُوَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ، فَرَمَى وَافِدٌ عَمْرًا بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَسَرُوا الْحَكَمَ، وَعُثْمَانَ، وَكَانَا أَوَّلَ أَسِيرَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَفْلَتَ نَوْفَلٌ، وَقَدِمُوا بِالْعِيرِ الْمَدِينَةَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ:

اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، وَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعِيرَ، وَقَالَ أَصْحَابُ السَّرِيَّةِ: مَا نَبْرَحُ حَتَّى تَنْزِلَ تَوْبَتُنَا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ، فَخَمَّسَ الْعِيرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ أَوَّلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>