للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ عَطَاءٌ لَمْ تُنْسَخْ، وَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا يَحِلُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَغْزُوَ فِي الْحَرَمِ، وَلَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِلَّا أَنْ يُقَاتَلُوا فِيهِ، وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا؟

وَرَوَى جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَغْزُو فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ إِلَّا أَنْ يُغْزَى

، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ.

وَرَجَحَ كَوْنُهَا مُحْكَمَةً بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَبِمَا

رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَى ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ، وَرَدَّ الْغَنِيمَةَ وَالْأَسِيرَيْنِ

، وَبِأَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ بَعْدَهَا عَامَّةٌ فِي الْأَزْمِنَةِ وَهَذَا خَاصٌّ، وَالْعَامُّ لَا يَنْسَخُ الْخَاصَّ بِاتِّفَاقٍ.

وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ هَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ مُبْتَدَإٍ وَخَبَرٍ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فِيهِ كَبِيرٌ، وَكِلَا الْجُمْلَتَيْنِ مَقُولَةٌ، أَيْ: قُلْ لَهُمْ قِتَالٌ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِثْمٌ كَبِيرٌ، وَقُلْ لَهُمْ: صَدٌّ عَنْ كَذَا إِلَى آخِرِهِ، أَكْبَرُ مِنَ الْقِتَالِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَقْطُوعًا مِنَ الْقَوْلِ، بَلْ إِخْبَارٌ مُجَرَّدٌ عَنْ أَنَّ الصَّدَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَذَا وَكَذَا، أَكْبَرُ، وَالْمَعْنَى: إِنَّكُمْ يَا كُفَّارَ قُرَيْشٍ تَسْتَعْظِمُونَ مِنَّا الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَمَا تَفْعَلُونَ أَنْتُمْ: مِنَ الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لِمَنْ أَرَادَ الْإِسْلَامَ، وَمِنْ كُفْرِكُمْ بِاللَّهِ، وَإِخْرَاجِكُمْ أَهْلَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ كَمَا فَعَلُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، أَكْبَرُ جُرْمًا عِنْدَ اللَّهِ مِمَّا فَعَلَتْهُ السَّرِيَّةُ مِنَ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، عَلَى سَبِيلِ الْبِنَاءِ عَلَى الظَّنِّ.

وَتَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مِنْ مُبْتَدَإٍ وَخَبَرٍ، فَالْمُبْتَدَأُ: صَدٌّ، وَهُوَ نَكِرَةٌ مُقَيَّدَةٌ بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، فَسَاغَ الِابْتِدَاءُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مَحْذُوفٌ فَاعِلُهُ وَمَفْعُولُهُ لِلْعِلْمِ بِهِمَا، أَيْ: وَصَدُّكُمُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.

وَسَبِيلِ اللَّهِ: الْإِسْلَامُ. قَالَهُ مُقَاتِلٌ، أَوِ: الْحَجُّ، لِأَنَّهُمْ صَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَنْ مَكَّةَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالسُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ، أَوِ: الْهِجْرَةُ، صَدُّوا الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا.

وَ: كُفْرٌ بِهِ، مَعْطُوفٌ عَلَى: وَصَدٌّ، وَهُوَ أَيْضًا مَصْدَرٌ لَازِمٌ حُذِفَ فَاعِلُهُ، تَقْدِيرُهُ:

وَكَفْرُكُمْ بِهِ، وَالضَّمِيرُ فِي: بِهِ، يَعُودُ عَلَى السَّبِيلِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ بِأَنَّهُ صَدٌّ عَنْهُ، وَالْمَعْنَى: وَكُفْرٌ بِسَبِيلِ اللَّهِ، وَهُوَ دِينُ اللَّهِ وَشَرِيعَتُهُ، وَقِيلَ: يَعُودُ الضَّمِيرُ فِي: بِهِ، عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، قَالَهُ الْحُوفِيُّ.

وَالْمَسْجِدُ الحرام: هو الكعبة، وقرىء شَاذًّا وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ بِالرَّفْعِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَكُفْرٌ بِهِ، وَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: وَكُفْرٌ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ حَذَفَ الْبَاءَ وَأَضَافَ الْكُفْرَ إِلَى الْمَسْجِدِ، ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>