للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَالِ، وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: مَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الرِّدَّةِ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَرَأَ الْحَسَنُ: حَبَطَتْ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَكَذَا قَرَأَهَا أَبُو السَّمَّاكِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَقَوْلُهُ: فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ أَتَى بِاسْمِ الْإِشَارَةِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَنِ اتَّصَفَ بِالْأَوْصَافِ السَّابِقَةِ، وَأَتَى بِهِ مَجْمُوعًا حَمْلًا عَلَى مَعْنَى: مَنْ، لِأَنَّهُ أَوَّلًا حَمْلٌ عَلَى اللَّفْظِ فِي قَوْلِهِ: يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ وَإِذَا جَمَعْتَ بَيْنَ الْحَمْلَيْنِ، فَالْأَصَحُّ أَنْ تبدأ أَوَّلًا بِالْحَمْلِ عَلَى اللَّفْظِ، ثُمَّ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى. وَعَلَى هَذَا الْأَفْصَحِ جَاءَتْ هذه الآيةو فِي الدُّنْيا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: حَبِطَتْ.

وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ ابْتِدَاءَ إِخْبَارٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِخُلُودِ هَؤُلَاءِ فِي النَّارِ، فَلَا تَكُونُ دَاخِلَةً فِي الْجَزَاءِ وَتَكُونُ مَعْطُوفَةً عَلَى الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى قَوْلِهِ: فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَتَكُونَ دَاخِلَةً فِي الْجَزَاءِ، لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى الْجَزَاءِ جَزَاءٌ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْلَى، لِأَنَّ الْقُرْبَ مُرَجَّحٌ، وَتَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِقْلَالَ.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ سَبَبُ نُزُولِهَا

أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جحش قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَبْ أَنَّهُ عِقَابٌ عَلَيْنَا فيما فعلناه فَهَلْ نَطْمَعُ مِنْهُ أَجْرًا وَثَوَابًا فَنَزَلَتْ

لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ مُؤْمِنًا وَكَانَ مُهَاجِرًا، وَكَانَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْمُقَاتَلَةِ مُجَاهِدًا، ثُمَّ هِيَ عَامَّةٌ فِي مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ وَأَصْحَابَهُ، حِينَ قَتَلُوا الْحَضْرَمِيَّ، ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّهُمْ إِنْ سَلِمُوا مِنَ الْإِثْمِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَجْرٌ، فَنَزَلَتْ.

انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهُوَ كَالْأَوَّلِ، إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي الظَّانِّ، فَفِي الْأَوَّلِ ابْنُ جَحْشٍ، وَفِي قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ: قَوْمٌ، وَعَلَى هَذَا السَّبَبِ فَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا وَاضِحَةٌ. وَقِيلَ: لَمَّا أَوْجَبَ الْجِهَادَ بِقَوْلِهِ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَبَيَّنَ أَنَّ تَرْكَهُ سَبَبٌ لِلْوَعِيدِ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِ مَنْ يَقُومُ بِهِ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ وَعِيدٌ إِلَّا وَيَتْبَعُهُ وَعْدٌ، وَقَدِ احْتَوَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْصَافٍ، وَجَاءَتْ مُرَتَّبَةً بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ وَالْوَاقِعِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ أَوَّلُهَا، ثُمَّ الْمُهَاجَرَةُ، ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَلَمَّا كَانَ الْإِيمَانُ هُوَ الْأَصْلُ أُفْرِدَ بِهِ مَوْصُولٌ وَحْدَهُ، وَلَمَّا كَانَتِ الْهِجْرَةُ وَالْجِهَادُ فَرْعَيْنِ عَنْهُ أُفْرِدَا بِمَوْصُولٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُمَا مِنْ حَيْثُ الْفَرْعِيَّةِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ. وَأَتَى خَبَرُ: أن، جملة مصدرة:

<<  <  ج: ص:  >  >>