وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي الْعَفْوِ مَا نَصُّهُ: وَهَذَا مُتَرَكِّبٌ عَلَى: مَا، فَمَنْ جَعَلَ ما ابتداء، وذا خَبَرَهُ بِمَعْنَى الَّذِي، وَقَدَّرَ الضَّمِيرَ فِي يُنْفِقُونَهُ عَائِدًا قَرَأَ الْعَفْوُ بِالرَّفْعِ لِتَصِحَّ مُنَاسَبَةُ الْحَمْلِ، وَرَفْعُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ تَقْدِيرُهُ: الْعَفْوُ إِنْفَاقُكُمْ، أَوِ الَّذِي يُنْفِقُونَ الْعَفْوُ، وَمَنْ جَعَلَ مَاذَا اسْمًا واحدا مفعولا: يُنْفِقُونَ، قَرَأَ الْعَفْوَ بِالنَّصْبِ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، وَصَحَّ لَهُ التَّنَاسُبُ، وَرَفْعُ الْعَفْوِ مَعَ نَصْبِ: مَا، جَائِزٌ ضَعِيفٌ، وَكَذَلِكَ نَصْبُهُ مَعَ رَفْعِهَا. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَتَقْدِيرُهُ: الْعَفْوُ إِنْفَاقُكُمْ، لَيْسَ بِجَيِّدٍ، لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَصْدَرِ، وَلَيْسَ السُّؤَالُ عَنِ الْمَصْدَرِ، وَقَوْلُهُ: جَائِزٌ، ضَعِيفٌ، وَكَذَلِكَ نَصْبُهُ مَعَ رَفْعِهَا لَيْسَ كَمَا ذَكَرَ، بَلْ هُوَ جَائِزٌ، وَلَيْسَ بِضَعِيفٍ.
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ وَهِيَ فِي مَوْضِعِ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، أَيْ:
تَبْيِينًا مِثْلَ ذَلِكَ يُبَيِّنُ، أَوْ فِي حَالِ كَوْنِهِ مِنْهَا ذَلِكَ التَّبْيِينَ يُبَيِّنُهُ، أَيْ: يُبَيِّنُ التَّبْيِينَ مُمَاثِلًا لِذَلِكَ التَّبْيِينِ، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ الْأَقْرَبُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْأَقْرَبِ مِنْ تَبَيُّنِهِ حَالَ الْمُنْفِقِ، قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ وَهُوَ تَبْيِينُ أَنَّ الْعَفْوَ أَصْلَحُ مِنَ الْجَهْدِ فِي النَّفَقَةِ. أَوْ حُكْمَ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، وَالْإِنْفَاقَ الْقَرِيبِ أَيْ: مِثْلَ مَا يُبَيِّنُ فِي هَذَا يُبَيِّنُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُوَضِّحُ الْآيَاتِ مِثْلَ مَا أَوْضَحَ هَذَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُشَارَ بِهِ إِلَى بَيَانِ مَا سَأَلُوا عَنْهُ، فَبَيَّنَ لَهُمْ كَتَبْيِينِ مَصْرَفِ مَا يُنْفِقُونَ، وَتَبْيِينِ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الْجَزَاءِ الدَّالِّ عَلَيْهِ عِلْمُ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ وَتَبْيِينِ حُكْمِ الْقِتَالِ، وَتَبْيِينِ حَالِهِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ الَّتِي ذُكِرَ في القتال في الشهر الحرام، وَتَبْيِينِ حَالِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، وَتَبْيِينِ مِقْدَارِ مَا يُنْفِقُونَ.
وَأَبْعَدَ مَنْ خَصَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ بِبَيَانِ حُكْمِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فَقَطْ، وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ جَعَلَهُ إِشَارَةً إِلَى بَيَانِ مَا سَبَقَ فِي السُّورَةِ مِنَ الْأَحْكَامِ.
وَكَافُ الْخِطَابِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ لِلسَّامِعِ أَوْ لِلْقَبِيلِ، فَلِذَلِكَ أُفْرِدَ أو للجماعة الْمُؤْمِنِينَ فَيَكُونُ بِمَعْنَى: كَذَلِكُمْ، وَهِيَ لُغَةُ الْعَرَبِ يُخَاطِبُونَ الْجَمْعَ بِخِطَابِ الْوَاحِدِ، وَذَلِكَ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا هُنَا قَوْلُهُ: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ فَأَتَى بِضَمِيرِ الْجَمْعِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ للجمع.
لَكُمُ متعلق: بيبين، وَاللَّامُ فِيهَا لِلتَّبْلِيغِ، كَقَوْلِكَ: قُلْتُ لَكَ، وَيَبْعُدُ فِيهَا التَّعْلِيلُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute