الْمَأْمُورَاتِ بِهَا. وَالْكَافُ مِنْ قَوْلِهِ: كَما آمَنَ النَّاسُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَأَكْثَرُ الْمُعْرِبِينَ يَجْعَلُونَ ذَلِكَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ التَّقْدِيرُ عِنْدَهُمْ: آمِنُوا إِيمَانًا كَمَا آمَنَ النَّاسُ، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ: فِي سير عليه شديد، أَوْ: سِرْتُ حَثِيثًا، إِنَّ شَدِيدًا وَحَثِيثًا نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ التَّقْدِيرُ: سِيرَ عَلَيْهِ سَيْرًا شَدِيدًا، وَسِرْتُ سَيْرًا حَثِيثًا. وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنَعْتٍ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمَصْدَرِ الْمُضْمَرِ الْمَفْهُومِ مِنَ الْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ الْمَحْذُوفِ بَعْدَ الْإِضْمَارِ عَلَى طَرِيقِ الِاتِّسَاعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى حَذْفِ الْمَوْصُوفِ وَإِقَامَةِ الصِّفَةِ مَقَامَهُ فِي غَيْرِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي ذَكَرُوهَا. وَتِلْكَ الْمَوَاضِعُ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ خَاصَّةً بِجِنْسِ الْمَوْصُوفِ، نَحْوَ: مَرَرْتُ بِكَاتِبٍ وَمُهَنْدِسٍ، أَوْ وَاقِعَةً خَبَرًا، نَحْوَ: زَيْدٌ قَائِمٌ، أَوْ حَالًا، نَحْوَ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ رَاكِبًا، أَوْ وَصْفًا لِظَرْفٍ، نَحْوَ:
جَلَسْتُ قَرِيبًا مِنْكَ، أَوْ مُسْتَعْمَلَةً اسْتِعْمَالَ الْأَسْمَاءِ، وَهَذَا يُحْفَظُ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، نَحْوَ:
الْأَبْطَحِ وَالْأَبْرَقِ. وَإِذَا خَرَجَتِ الصِّفَةُ عَنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَمْ تَكُنْ إِلَّا تَابِعَةً لِلْمَوْصُوفِ، وَلَا يُكْتَفَى عَنِ الْمَوْصُوفِ، أَلَا تَرَى أَنَّ سِيبَوَيْهِ مَنَعَ: أَلَا مَاءً وَلَوْ بَارِدًا وَإِنْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى حَذْفِ الْمَوْصُوفِ وَأَجَازَ: وَلَوْ بَارِدًا، لِأَنَّهُ حَالٌ، وَتَقْرِيرُ هَذَا فِي كُتُبِ النَّحْوِ. وَمَا، مِنْ: كَمَا آمَنَ النَّاسُ، مَصْدَرِيَّةٌ التَّقْدِيرُ كَإِيمَانِ النَّاسِ، فَيَنْسَبِكُ مِنْ مَا، وَالْفِعْلِ بَعْدَهَا مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ بِكَافِ التَّشْبِيهِ الَّتِي هِيَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ حَالٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَإِذَا كَانَتْ مَا مَصْدَرِيَّةً فَصِلَتُهَا جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ مُصَدَّرَةٌ بِمَاضٍ مُتَصَرِّفٍ أَوْ مُضَارِعٍ، وَشَذَّ وَصْلُهَا بِلَيَسَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
بِمَا لَسْتُمَا أَهْلَ الْخِيَانَةِ وَالْغَدْرِ وَلَا تُوصَلُ بِالْجُمْلَةِ الْأَسْمِيَةِ خِلَافًا لِقَوْمٍ، مِنْهُمْ: أَبُو الْحَجَّاجِ الْأَعْلَمِ، مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ:
وَجَدْنَا الْحُمْرَ مِنْ شَرِّ الْمَطَايَا ... كَمَا الْحَبِطَاتُ شَرُّ بَنِي تَمِيمِ
وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَأَبُو الْبَقَاءِ فِي مَا مِنْ قَوْلِهِ: كَمَا آمَنَ، أَنْ تَكُونَ كَافَّةً لِلْكَافِ عَنِ الْعَمَلِ مِثْلَهَا فِي: رُبَّمَا قَامَ زَيْدٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُجْعَلَ كَافَّةً إِلَّا فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَا تَتَقَدَّرُ فِيهِ مَصْدَرِيَّةً، لِأَنَّ إِبْقَاءَهَا مَصْدَرِيَّةً مُبْقٍ لِلْكَافِ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ فِيهَا مِنَ الْعَمَلِ، وَتَكُونُ الْكَافُ إِذْ ذَاكَ مِثْلَ حُرُوفِ الْجَرِّ الدَّاخِلَةِ عَلَى مَا الْمَصْدَرِيَّةِ، وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ فِي: كَمَا آمَنَ النَّاسُ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ كَافَّةً. وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي النَّاسِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute