للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ التَّفْضِيلَ قَدْ يَقَعُ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِقَادِ. لَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُودِ، وَمِنْهُ: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا «١» وَ: الْعَسَلُ أَحْلَى مِنَ الْخَلِّ وَقَالَ عُمَرُ، في رسالته لأبي مُوسَى:

الرُّجُوعُ إِلَى الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ، وَيُحْتَمَلُ إِبْقَاءُ الْخَيْرِيَّةِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ الْوُجُودِيِّ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ النِّكَاحِ بِأَنَّ نِكَاحَ الْمُشْرِكَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى مَنَافِعَ دُنْيَوِيَّةٍ، وَنِكَاحَ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ عَلَى مَنَافِعَ أُخْرَوِيَّةٍ، فَقَدِ اشْتَرَكَ النَّفْعَانِ فِي مُطْلَقِ النَّفْعِ إِلَّا أَنَّ نَفْعَ الْآخِرَةِ لَهُ الْمَزِيَّةُ الْعُظْمَى، فَالْحُكْمُ بِهَذَا النَّفْعِ الدُّنْيَوِيِّ لَا يَقْتَضِي التَّسْوِيغَ، كَمَا أَنَّ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ فِيهِمَا مَنَافِعُ، وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ الْإِبَاحَةَ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ مُحَرَّمٍ إِلَّا يَكَادُ يَكُونُ فِيهِ نَفْعٌ مَا.

وَهَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ فِي أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ هُوَ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ وَالْبَصْرِيِّينَ فِي أَنَّ لَفْظَةَ:

أَفْعَلَ، الَّتِي لِلتَّفْضِيلِ، لَا تَصِحُّ حَيْثُ لَا اشْتِرَاكَ، كَقَوْلِكَ: الثَّلْجُ أَبْرَدُ مِنَ النَّارِ، والنور أضوء مِنَ الظُّلْمَةِ وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ: يَصِحُّ حَيْثُ الِاشْتِرَاكُ، وَحَيْثُ لَا يَكُونُ اشْتِرَاكٌ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَرَفَةَ: لَفْظَةُ التَّفْضِيلِ تَجِيءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِيجَابًا لِلْأَوَّلِ، وَنَفْيًا عَنِ الثَّانِي، فَعَلَى قَوْلٍ هُوَ لَا يَصِحُّ أَنْ لَا يَكُونَ خَيْرٌ فِي الْمُشْرِكَةِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ.

وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ لَوْ: هَذِهِ بِمَعْنَى إِنِ الشَّرْطِيَّةِ، نَحْوَ:

«رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفِ شَاةٍ مُحْرَقٍ» .

وَالْوَاوُ فِي: وَلَوْ، لِلْعَطْفِ عَلَى حَالٍ مَحْذُوفَةٍ، التَّقْدِيرُ: خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَوْ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا يَكُونُ لِاسْتِقْصَاءِ الْأَحْوَالِ، وَأَنَّ مَا بَعْدَ لَوْ هَذِهِ إِنَّمَا يَأْتِي وَهُوَ مُنَافٍ لِمَا قَبْلَهُ بِوَجْهٍ مَا، فَالْإِعْجَابُ مُنَافٍ لَحُكْمِ الْخَيْرِيَّةِ، وَمُقْتَضٍ جَوَازَ النِّكَاحِ لِرَغْبَةِ النَّاكِحِ فِيهَا، وَأُسْنِدَ الْإِعْجَابُ إِلَى ذَاتِ الْمُشْرِكَةِ، ولم يبين ما للعجب مِنْهَا، فَالْمُرَادُ مُطْلَقُ الْإِعْجَابِ، إِمَّا لِجَمَالٍ، أَوْ شَرَفٍ، أَوْ مَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقَعُ بِهِ الْإِعْجَابُ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُشْرِكَةَ، وَإِنْ كَانَتْ فَائِقَةً فِي الْجِمَالِ وَالْمَالِ وَالنَّسَبِ، فَالْأَمَةُ الْمُؤْمِنَةُ خَيْرٌ مِنْهَا، لِأَنَّ مَا فَاقَتْ بِهِ الْمُشْرِكَةُ يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا، وَالْإِيمَانُ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا، فَبِالتَّوَافُقِ فِي الدِّينِ تَكْمُلُ الْمَحَبَّةُ وَمَنَافِعُ الدُّنْيَا مِنَ الصُّحْبَةِ وَالطَّاعَةِ وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، وَبِالتَّبَايُنِ فِي الدِّينِ لَا تَحْصُلُ الْمَحَبَّةُ وَلَا شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا.

وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا الْقِرَاءَةُ بِضَمِّ التَّاءِ إِجْمَاعٌ مِنَ الْقُرَّاءِ،


(١) سورة الفرقان: ٢٥/ ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>