للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْخِطَابُ فِي: وَيَسْأَلُونَكَ، وَفِي: قُلْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالضَّمِيرُ فِي: هُوَ، عَائِدٌ عَلَى الْمَحِيضِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَحْصُلُ نَفْرَةٌ لِلْإِنْسَانِ وَاسْتِقْذَارٌ بِسَبَبِهِ.

فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْمَحِيضِ أَهُوَ مَوْضِعُ الدَّمِ أَمِ الْحَيْضُ؟ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلُ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَالثَّانِي عَلَى الْمَكَانِ، وَإِنْ حَمَلْنَا الثَّانِيَ عَلَى الْمَصْدَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: فَاعْتَزِلُوا وَطْءَ النِّسَاءِ فِي زَمَانِ الْحَيْضِ.

وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الِاعْتِزَالِ، فَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَشُرَيْحٌ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ اعْتِزَالُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْإِزَارُ، وَيُعَضِّدُهُ مَا صَحَّ أَنَّهَا: تَشُدُّ عَلَيْهَا إِزَارَهَا ثُمَّ شَأْنُهُ بِأَعْلَاهَا.

وَذَهَبَتْ عَائِشَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَدَاوُدُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِلَّا اعْتِزَالُ الْفَرْجِ فَقَطْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ اعْتِزَالُ الرَّجُلِ فِرَاشَ زَوْجَتِهِ إِذَا حَاضَتْ، أَخْذٌ بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ.

وَلَمَّا كَانَ الْحَيْضُ مَعْرُوفًا فِي اللُّغَةِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَفْسِيرٍ وَلَمْ تَتَعَرَّضِ الْآيَةُ لِأَقَلِّهِ وَلَا لِأَكْثَرِهِ، بَلْ دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ اعْتِزَالِ النِّسَاءِ فِي الْمَحِيضِ، وَأَقَلُّهُ عِنْدَ مَالِكٍ لَا حَدَّ لَهُ، بَلِ الدَّفْعَةُ مِنَ الدَّمِ عِنْدَهُ حَيْضٌ، وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ حَيْضٌ. وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.

وَأَمَّا أَكْثَرُهُ فَقَالَ عَطَاءٌ، وَالشَّافِعِيُّ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ كَقَوْلِ عَطَاءٍ، وَخَرَجَ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقِيلَ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا وَقْتَ لِقَلِيلِ الْحَيْضِ وَلَا كَثِيرِهِ إِلَّا مَا يُوجَدُ فِي النِّسَاءِ عَادَةً. وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ ذَلِكَ مَرْدُودٌ إِلَى عُرْفِ النِّسَاءِ كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ: الْحَيْضُ إِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ، فَإِذَا زَادَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ.

وَجَمِيعُ دَلَائِلِ هَذَا، وَبَقِيَّةُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.

وَلَمْ تَتَعَرَّضِ الْآيَةُ لِمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ وَطِئَ فِي الْحَيْضِ، وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَدَاوُدُ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>