للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ أَوِ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَجَمَاعَةٌ هُنَا: إِنَّهُ أُرِيدَ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ، وَلَا بُدَّ لِقَرِينَةِ الْأَمْرِ بِالْإِتْيَانِ، وَإِنْ كَانَ قُرْبُهُنَّ قَبْلَ الْغُسْلِ مُبَاحًا، لَكِنْ لَا تَقَعُ صِيغَةُ الْأَمْرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَإِذَا كَانَ التَّطَهُّرُ الْغُسْلَ بِالْمَاءِ، فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ، أَنَّهُ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ وَقَالَ طاووس، وَمُجَاهِدٌ: الْوُضُوءُ كَافٍ فِي إِبَاحَةِ الْوَطْءِ، وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّ الْمُبِيحَ لِلْوَطْءِ: هُوَ غَسْلُ مَحَلِّ الْوَطْءِ بِالْمَاءِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ.

وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَنْ يُحْمَلَ التَّطَهُّرُ بِالْمَاءِ عَلَى التَّطَهُّرِ الشَّرْعِيِّ أَوِ اللُّغَوِيِّ، فَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى اللُّغَوِيِّ قَالَ: تَغْسِلُ مَكَانَ الْأَذَى بِالْمَاءِ، وَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الشَّرْعِيِّ حَمَلَهُ عَلَى أَخَفِّ النَّوْعَيْنِ، وَهُوَ الْوُضُوءُ، لِمُرَاعَاةِ الْخِفَّةِ، أَوْ عَلَى أَكْمَلِ النَّوْعَيْنِ وَهُوَ أَنْ تَغْتَسِلَ كَمَا تَغْتَسِلَ لِلْجَنَابَةِ إِذْ بِهِ يَتَحَقَّقُ الْبَرَاءَةُ مِنَ الْعُهْدَةِ. وَالِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ مُسْتَلْزِمٌ لِحُصُولِ انْقِطَاعِ الدَّمِ، لِأَنَّهُ لَا يُشْرَعُ إِلَّا بَعْدَهُ.

وَإِذَا قُلْنَا: لَا بُدَّ مِنَ الْغُسْلِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَاخْتُلِفَ فِي الذِّمِّيَّةِ: هَلْ تُجْبَرُ عَلَى الْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ؟ فَمَنْ رَأَى أَنَّ الغسل عادة قَالَ لَا يَلْزَمُهَا لِأَنَّ نِيَّةَ الْعِبَادَةِ لَا تَصِحُّ مِنَ الْكَافِرِ، وَمَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ عِبَادَةً، بَلِ الِاغْتِسَالُ مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ لِإِحْلَالِهَا لِلْوَطْءِ، قَالَ: تُجْبَرُ، عَلَى الْغُسْلِ.

وَمَنْ أَوْجَبَ الْغُسْلَ فَصِفَتُهُ مَا

رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِ الْحَيْضَةِ فَقَالَ: «تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَهَا، وَتَتَطَهَّرَ فَتُحْسِنُ الطَّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهَا وَتَضْغَطُهُ حَتَّى يَبْلُغَ أُصُولَ شَعْرِهَا، ثُمَّ تَفِيضُ الْمَاءَ عَلَى سَائِرِ بَدَنِهَا» .

فَأْتُوهُنَّ هَذَا أَمْرٌ يُرَادُ بِهِ الْإِبَاحَةُ، كَقَوْلِهِ: وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا «١» فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا «٢» وَكَثِيرًا مَا يَعْقُبُ أَمْرُ الْإِبَاحَةِ التَّحْرِيمَ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ.

مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ حَيْثُ: ظَرْفُ مَكَانٍ، فَالْمَعْنَى مِنَ الْجِهَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ الْقُبُلُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي حَالِ الْحَيْضِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالرَّبِيعُ. أَوْ مِنْ قِبَلِ طُهْرِهِنَّ لَا مِنْ قِبَلِ حَيْضِهِنَّ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وأبو رزين والسدّي.


(١) سورة المائدة: ٥/ ٢.
(٢) سورة الجمعة: ٦٢/ ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>