للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَيَانِ يَحْصُلُ الرَّجَاءُ فِي تَفَكُّرِ حَالِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِذَا فَكَّرَ فِيهِمَا يُرَجِّحُ بِالْفِكْرِ إِيثَارَ الْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا.

ثُمَّ اسْتَطْرَدَ مِنْ هَذَيْنِ السُّؤَالَيْنِ إِلَى السُّؤَالِ عَنْ أَمْرِ الْيَتَامَى، وَمَا كُلِّفُوا فِي شَأْنِهِمْ، إِذْ كَانَ الْيَتَامَى لَا يَنْهَضُونَ بِالنَّظَرِ فِي أَحْوَالِ أَنْفُسِهِمْ، وَلِصِغَرِهِمْ وَنَقْصِ عُقُولِهِمْ، فَأُجِيبُوا بِأَنَّ إِصْلَاحَهُمْ خَيْرٌ مِنْ إِهْمَالِهِمْ لِلْمُصْلِحِ بِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ وَلِلْمُصْلِحِ بِتَأْدِيبِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَتَنْمِيَةِ مَالِهِ:

«أُمَّتِي كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» .

ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ مُخَالَطَتِهِمْ مَطْلُوبَةٌ لِأَنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ، فَالْأُخُوَّةُ مُوجِبَةٌ لِلنَّظَرِ فِي حَالِ الْأَخِ. وَأَبْرَزَ الطَّلَبَ فِي صُورَةٍ شَرْطِيَّةٍ، وَأَتَى الْجَوَابُ بِمَا يَقْتَضِي الْخِلْطَةَ، وَهُوَ كَوْنُهُمْ إِخْوَانَكُمْ.

وَلَمَّا أَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ لِلْيَتَامَى، ذَكَرَ أَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ، لِيُحَذِّرَ مِنَ الْفَسَادِ وَيَدْعُوَ إِلَى الصَّلَاحِ، وَمَعْنَى عِلْمُهُ هُنَا أَنَّهُ مُجَازٍ من أفسد، و: من أَصْلَحَ، بِمَا يُنَاسِبُ فِعْلَهُ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَكَلَّفَكُمْ مَا يَشُقُّ عَلَيْكُمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّكَالِيفَ السَّابِقَةَ مِنْ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، وَتَكْلِيفِ الصَّدَقَةِ، بِأَنْ تَكُونَ عَفْوًا، وَتَكْلِيفِ إِصْلَاحِ الْيَتِيمِ لَيْسَ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَلَا إِعْنَاتٌ.

ثُمَّ خَتَمَ هَذَا بِأَنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الَّذِي لَا يُغَالَبُ، الْحَكِيمُ الَّذِي يَضَعُ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا.

وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى تَحْرِيمَ شَيْءٍ مِمَّا كَانُوا يَتَلَذَّذُونَ بِهِ، وَهُوَ شُرْبُ الْخَمْرِ وَالْأَكْلُ بِهِ، وَالْقَمْرُ بِالْمَيْسِرِ وَالْأَكْلُ بِهِ، وَلَمَّا كَانَ النِّكَاحُ أَيْضًا مِنْ أَعْظَمِ الشَّهَوَاتِ وَالْمَلَاذِّ، اسْتَطْرَدَ إِلَى ذِكْرِ تَحْرِيمِ نَوْعٍ مِنْهُ، وَهُوَ نِكَاحُ مَنْ قَامَ بِهِ الْوَصْفُ الْمُنَافِي لِلْإِيمَانِ، وَهُوَ الْإِشْرَاكُ الْمُوجِبُ لِلتَّنَافُرِ وَالتَّبَاعُدِ. وَالنِّكَاحُ مُوجِبٌ لِلْخِلْطَةِ وَالْمَوَدَّةِ قَالَ تَعَالَى: وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً «١» ولا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ «٢» لَا يتراآى دَارَاهُمَا، فَنَهَى فِيهِنَّ عَنْ نكاح من قام به الْوَصْفُ الْمُنَافِي لِلْإِيمَانِ، وَغَيَّا ذَلِكَ بِحُصُولِ الْإِيمَانِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ كَانَ رَقِيقًا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ كَانَ يُعْجِبُ فِي حُسْنٍ أَوْ مَالٍ أَوْ رِئَاسَةٍ وَنَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّرْكِ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ دَاعٍ إِلَى النَّارِ، وَجُرَّ مِمَّنْ كَانَ مُعَاشِرَ شَخْصٍ وَمُخَالِطَهُ وَمُلَابِسَهُ، حَتَّى فِي النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ دَاعٍ إِلَى التَّآلُفِ مِنْ كُلِّ مُعَاشَرَةٍ


(١) سورة الروم: ٣٠/ ٢١.
(٢) سورة المجادلة: ٥٨/ ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>