وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَيْمَانِ هُنَا الِاقْتِسَامُ، لَا الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ:
حَاجِزًا لِمَا حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ، وَسُمِّيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَمِينًا لِتَلَبُّسِهِ بِالْيَمِينِ، كَمَا
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: «إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا منها فائت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ»
أَيْ: عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يُحْلَفُ عَلَيْهِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَلَا حَاجَةَ هُنَا لِلْخُرُوجِ عَنِ الظَّاهِرِ وإنما احتيج فِي الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّهُ أَطْلَقَ الْيَمِينَ، وَيُرَادُ بِهَا مُتَعَلِّقُهَا، لِأَنَّهُ قَالَ: إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَعَدَّى حَلَفْتَ بِعَلَى، فَاحْتِيجَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يُحْوِجُ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، لَكِنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ لَمَّا حَمَلَ: عُرْضَةً، عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ حَاجِزًا وَمَانِعًا، اضْطُرَّ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ.
أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ قَالَ الزَّجَّاجُ، وَتَبِعَهُ التِّبْرِيزِيُّ: أَنْ تَبَرُّوا، فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، قَالَ الزَّجَّاجُ وَالْمَعْنَى: بِرُّكُمْ وَتَقْوَاكُمْ وَإِصْلَاحُكُمْ أَمْثَلُ وَأَوْلَى، وَجَعَلَ الْكَلَامَ مُنْتَهِيًا عِنْدَ قَوْلِهِ: لِأَيْمَانِكُمْ، وَمَعْنَى الْجُمْلَةِ الَّتِي فِيهَا النَّهْيُ عِنْدَهُ أَنَّهَا فِي الرَّجُلِ إِذَا طَلَبَ مِنْهُ فِعْلَ خَيْرٍ وَنَحْوَهُ اعْتَلَّ بِاللَّهِ، فَقَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ، وَهُوَ لَمْ يَحْلِفْ، وَقَدَّرَ التِّبْرِيزِيُّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ الْمَحْذُوفِ بِأَنَّ الْمَعْنَى: أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بَيْنَ النَّاسِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ، وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الزَّجَّاجُ وَالتِّبْرِيزِيُّ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ فِيهِ اقْتِطَاعُ: أَنْ تَبَرُّوا، مِمَّا قَبْلَهُ، وَالظُّلْمُ هُوَ اتِّصَالُهُ بِهِ، وَلِأَنَّ فِيهِ حَذْفًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أن تبروا وتتقوا وتصلحوا، عَطْفُ بَيَانٍ لِأَيْمَانِكُمْ، أَيْ لِلْأُمُورِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا الَّتِي هِيَ: الْبِرُّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِلظَّاهِرِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ الْأَيْمَانِ هِيَ الْأَقْسَامُ، وَالْبِرُّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحُ هِيَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهَا، فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفَ بَيَانٍ عَلَى الْأَيْمَانِ، لَكِنَّهُ لَمَّا تَأَوَّلَ الْأَيْمَانَ عَلَى أَنَّهَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا، سَاغَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا حَاجَةَ تَدْعُونَا إِلَى تَأْوِيلِ الْأَيْمَانِ بِالْأَشْيَاءِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا، وَعَلَى مَذْهَبِهِ تَكُونُ: أَنْ تَبَرُّوا، فِي مَوْضِعِ جَرٍّ، وَلَوِ ادَّعَى أَنْ يَكُونَ: أَنْ تَبَرُّوا، وَمَا بَعْدَهُ بَدَلًا مِنْ: أَيْمَانِكُمْ، لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ عَطْفَ الْبَيَانِ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي الْأَعْلَامِ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْ تَبَرُّوا، مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي التَّقْدِيرِ، فَقِيلَ: كَرَاهَةَ أَنْ تَبَرُّوا، قَالَهُ الْمَهْدَوِيُّ، أَوْ لِتَرْكِ أَنْ تَبَرُّوا، قَالَهُ الْمُبَرِّدُ، وَقِيلَ: لِأَنْ لَا تَبَرُّوا وَلَا تَتَّقُوا وَلَا تُصْلِحُوا، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَالطَّبَرِيُّ كَقَوْلِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute