للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَتَّقِينَ اللَّهَ فِيهِمْ، وَلِهَذَا أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بِقَوْلِهِ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ»

أَيْ:

أَسِيرَاتٌ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وَقِيلَ: الْمُمَاثَلَةُ مَعْنَاهَا أَنَّ لَهُنَّ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ وَحَسَنِ الْعِشْرَةِ وَتَرْكِ الضِّرَارِ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُمَاثَلَةُ فِي وُجُوبِ مَا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ مِنْ ذَلِكَ، وَوُجُوبِ امْتِثَالِ الْمَرْأَةِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، لَا فِي جِنْسِ الْمُؤَدِّي وَالْمُمْتَثِلِ، إِذْ مَا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ مَحْسُوسٌ وَمَعْقُولٌ، وَمَا تَفْعَلُهُ هِيَ مَعْقُولٌ، وَلَكِنِ اشْتَرَكَا فِي الْوُجُوبِ، فَتَحَقَّقَتِ الْمِثْلِيَّةُ! وَقِيلَ: الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ حُقُوقِ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَحُقُوقِ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ فَقَالَ: «أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ، وَيَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَى، وَلَا يَضْرِبَ الْوَجْهَ، وَلَا يَهْجُرَ إِلَّا فِي الْبَيْتِ»

وَفِي حَدِيثِ الْحَجِّ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَةِ يَوْمِ عَرَفَةَ: «اتَّقَوُا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوَاطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» ..

ومثل: مُبْتَدَأٌ، وَ: لَهُنَّ، هُوَ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، وَ: بِالْمَعْرُوفِ، يَتَعَلَّقُ بِهِ: لَهُنَّ، أَيْ:

وَمِثْلُ الَّذِي لِأَزْوَاجِهِنَّ عَلَيْهِنَّ كَائِنٌ لَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، وَقِيلَ: بِالْمَعْرُوفِ، هُوَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ: لمثل، فَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَتَتَعَلَّقُ إِذْ ذَاكَ بِمَحْذُوفٍ.

وَمَعْنَى: بِالْمَعْرُوفِ أَيْ: بِالْوَجْهِ الَّذِي لَا يُنْكَرُ فِي الشَّرْعِ وَعَادَاتِ النَّاسِ، وَلَا يُكَلِّفُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ مِنَ الْأَشْغَالِ مَا لَيْسَ مَعْرُوفًا لَهُ، بَلْ يُقَابِلُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ.

وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ أَيْ: مَزِيَّةٌ وَفَضِيلَةٌ فِي الْحَقِّ، أَتَى بِالْمُظْهَرِ عِوَضُ الْمُضْمَرِ إِذْ كَانَ لَوْ أَتَى عَلَى الْمُضْمَرِ لَقَالَ: وَلَهُمْ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، لِلتَّنْوِيهِ بِذِكْرِ الرُّجُولِيَّةِ الَّتِي بِهَا ظَهَرَتِ الْمَزِيَّةُ لِلرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، وَلِمَا كَانَ يَظْهَرُ فِي الْكَلَامِ بِالْإِضْمَارِ مِنْ تَشَابُهِ الْأَلْفَاظِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ مَا فِي ذَاكَ، إِذْ كَانَ يَكُونُ: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَهُمْ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، وَلِقَلَقِ الْإِضْمَارِ حُذِفَ مُضْمَرَانِ وَمُضَافَانِ مِنَ الجملة الأولى.

و: الدرجة، هُنَا فَضْلُهُ عَلَيْهَا فِي الْمِيرَاثِ، وَبِالْجِهَادِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: أَوْ:

بِوُجُوبِ طَاعَتِهَا إِيَّاهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ طَاعَتُهَا، قَالَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَابْنُهُ: أَوْ: بِالصَّدَاقِ، وَجَوَازِ ملاعنته إِنْ قَذَفَ، وَحَدِّهَا إِنْ قَذَفَتْ قَالَ الشَّعْبِيُّ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَوْ: بِالْقِيَامِ عَلَيْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>