للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَفَاقَمَ مَا بَيْنَهُمَا، فَالْفِدْيَةُ جَائِزَةٌ لِلزَّوْجِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَطِيَّةَ: وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ، لَوْ تَرَكَ فَسَادَهُ لَمْ يَزَلْ نُشُوزُهَا هِيَ، وَأَمَّا إِنِ انْفَرَدَ الزَّوْجُ بِالْفَسَادِ فَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُجِيزُ لَهُ الْفِدْيَةَ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا جَاءَ الظُّلْمُ وَالنُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ، فَخَالَعَتْهُ، فَهُوَ جَائِزٌ مَاضٍ، وَهُوَ آثِمٌ لَا يَحِلُّ مَا صَنَعَ، وَلَا يَرُدُّ مَا أَخَذَ، وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُهُ: أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَزُفَرُ وَقَالَ مَالِكٌ: يَمْضِي الطَّلَاقُ إِذْ ذَاكَ، وَيَرُدُّ عَلَيْهَا مَالَهَا.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، فِي مَنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ مَرِيضَةٌ: إِنْ كَانَتْ نَاشِزَةً كَانَ فِي ثُلُثِهَا، أَوْ غَيْرَ نَاشِزَةٍ رَدَّ عَلَيْهَا وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، قَالَ: وَلَوِ اجْتَمَعَا عَلَى فَسْخِ النِّكَاحِ قَبْلَ الْبِنَاءِ مِنْهَا، وَلَمْ يَبِنْ مِنْهَا نُشُوزٌ، لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا.

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: إِنْ كَانَتِ الْإِسَاءَةُ مِنْ قِبَلِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْلَعَهَا، أَوْ مِنْ قِبَلِهَا فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ.

وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقَعِ الْخَوْفُ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ عَلَى الْفِرَاقِ، وَشَذَّ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، فَقَالَ: لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ زَوْجَتِهِ شَيْئًا خُلْعًا، لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، قَالَ: وَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ «١» الْآيَةَ، وَضَعُفَ قَوْلُهُ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى إِجَازَةِ الْفِدْيَةِ، وَبِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُقْتَرِنَ بِآيَةِ الْفِدْيَةِ غَيْرُ الْمَعْنَى الَّذِي فِي آيَةِ إِرَادَةِ الِاسْتِبْدَالِ.

وَاخْتَلَفُوا: هَلْ يَنْدَرِجُ تَحْتَ عُمُومِ قَوْلِهِ: فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ الضَّرَرُ، والمجهول، كالثمر الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ، وَالْعَبْدِ الْآبِقِ، وَالْجَنِينِ فِي الْبَطْنِ، وَمَا يُثْمِرُهُ نَخْلُهَا، وَمَا تَلِدُهُ غَنَمُهَا وَإِرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْهُ؟ وَكُلُّ هَذَا وَمَا فَرَّعُوا عَلَيْهِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.

قَالُوا: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ إِذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ، لِقَوْلِهِ بَعْدُ فَإِنْ طَلَّقَها وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ هِيَ الثَّالِثَةُ، فَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ قَبْلَهَا طَلَاقًا لَكَانَتْ رَابِعَةً، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ قَالَهُ ابن عباس، وطاووس، وَعِكْرِمَةُ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ: أَنَّهُ طَلَاقٌ

، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ: مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَالشَّافِعِيُّ.

وَلَا يَدُلُّ ظَاهِرُهَا عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ كَمَا ذَكَرُوا، لِأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا جِيءَ بِهَا لبيان أحكام


(١) سورة النساء: ٤/ ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>