للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ بَتِّ طَلَاقِهَا، أَوِ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ بَعْدَ مَا بَتَّ طَلَاقُهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: عَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةُ الْفَتْوَى: مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ، وطاووس، وَالْحَسَنُ: تَحِلُّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ.

وَفِي قَوْلِهِ: زَوْجًا غَيْرَهُ، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تزويج الذِّمِّيَّةَ الْمَبْتُوتَةَ مِنَ الْمُسْلِمِ بِالثَّلَاثِ ذِمِّيٌّ، وَدَخَلَ بِهَا، وَطُلِّقَتْ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ، وَرَبِيعَةُ: لَا يُحِلُّهَا.

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا، أَنَّهُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَلَوْ نُكِحَتْ نِكَاحًا فَاسِدًا لَمْ يَحِلَّ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ: مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عبيد، وأصحاب أبي حنيفة. وَقَالَ الْحَكَمُ: هُوَ زَوْجٌ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا قَالَتْ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ: قَدْ تَزَوَّجْتُ، وَدَخَلَ عَلَيَّ زَوْجِي وَصَدَّقَهَا. أَنَّهَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَفْعَلَ إِذَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهَا كَذَبَتْهُ.

وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أن سمي زَوْجٍ كَافٍ، سَوَاءٌ كَانَ قَوِيَّ النِّكَاحِ أَمْ ضَعِيفَهُ أَوْ صَبِيًّا أَوْ مُرَاهِقًا أَوْ مَجْبُوبًا بَقِيَ لَهُ مَا يُغَيِّبُهُ كَمَا يُغَيِّبُ، غَيْرُ الْخَصِيِّ، وَسَوَاءً أَدْخَلَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِهَا، وَكَانَتْ مُحْرِمَةً أَوْ صَائِمَةً، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَا وَصَفَ الشَّافِعِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَوْ وَطِئَهَا نَائِمَةً أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا لَمْ تَحِلَّ لِمُطَلِّقِهَا، وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ لِذَلِكَ الزَّوْجِ إِلَّا بِخَمْسَةِ شَرَائِطَ: تَعْتَدُّ مِنْهُ، وَيُعْقَدُ للثاني، ويطأها، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، وَتَعْتَدُّ مِنْهُ.

وَكَوْنُ الْوَطْءِ شَرْطًا قِيلَ: ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ، وَقِيلَ: بِالْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُسْلِمٍ، وَقِيلَ:

هُوَ الْمُخْتَارُ. لِأَنَّ أَبَا عَلِيٍّ نَقَلَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: نَكَحَ فُلَانٌ فُلَانَةً بِمَعْنَى عَقَدَ عَلَيْهَا. وَنَكَحَ امْرَأَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ أَيْ: جَامَعَهَا. وَقَدْ مَرَّ لَنَا طُرُقٌ مِنْ هَذَا.

قَالَ فِي (الْمُنْتَخَبِ) : بَعْدَ كَلَامٍ كَثِيرٍ مَحْصُولُهُ أَنَّ قَوْلِهِ: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غيره، يدل على تَقَدَّمَ الزَّوْجِيَّةَ. وَهِيَ الْعَقْدُ الْحَاصِلُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ النِّكَاحُ عَلَى مَنْ سَبَقَتْ زَوْجَتُهُ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْوَطْءُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: تَنْكِحَ، دَالًّا عَلَى الْوَطْءِ، وَ: زَوْجًا: يَدُلُّ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>