وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَكُونُ عَلَى نِكَاحٍ جَدِيدٍ بِهَدْمِ الزَّوْجِ الثَّانِي الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَشُرَيْحٌ، وَأَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَّا عُبَيْدَةَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقِيلَ: قَوْلٌ ثَالِثٌ إِنْ دَخَلَ بِهَا الْآخَرُ فَطَلَاقٌ جَدِيدٌ، وَنِكَاحُ الْأَوَّلِ جَدِيدٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ بِهَا فَعَلَى مَا بَقِيَ.
إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ أَيْ إِنْ ظَنَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ يُحْسِنُ عِشْرَةَ صَاحِبِهِ، وَمَا يَكُونُ لَهُ التَّوَافُقُ بَيْنَهُمَا مِنَ الْحُدُودِ الَّتِي حَدَّهَا اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَدْ ذكرنا طرقا مِمَّا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِي قَوْلِهِ: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ «١» وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، يَعْنِي أَصْحَابَ مَالِكٍ، هَلْ عَلَى الزَّوْجَةِ خِدْمَةٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ تُطَالِبَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَيْهَا خِدْمَةُ مِثْلِهَا، فَإِنْ كَانَتْ شَرِيفَةَ الْمَحَلِّ، لِيَسَارِ أُبُوَّةٍ أَوْ تَرَفُّهٍ، فَعَلَيْهَا تَدْبِيرُ أَمْرِ الْمَنْزِلِ وَأَمْرِ الْخَادِمِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَسِّطَةَ الْحَالِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَفْرِشَ الْفِرَاشَ وَنَحْوَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ نِسَاءِ الكرد والديلم فِي بَلَدِهِنَّ كُلِّفَتْ مَا تكلفه نساءهم، وَقَدْ جَرَى أَمْرُ الْمُسْلِمِينَ فِي بُلْدَانِهِمْ، فِي قَدِيمِ الْأَمْرِ وَحَدِيثِهِ، بِمَا ذَكَرْنَا. أَلَا تَرَى أَنَّ نِسَاءَ الصَّحَابَةِ كُنَّ يُكَلَّفْنَ الطَّحْنَ وَالْخَبِيزَ وَالطَّبِيخَ وَفَرْشَ الْفِرَاشِ وَتَقْرِيبَ الطَّعَامِ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، وَلَا نَعْلَمُ امْرَأَةً امْتَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ كَانُوا يَضْرِبُونَ نِسَاءَهُمْ إِذَا قَصَّرْنَ فِي ذَلِكَ.
وَ: إِنْ ظَنَّا، شَرْطٌ جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ جَوَازُ التَّرَاجُعِ مَوْقُوفًا عَلَى شَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: طَلَاقُ الزَّوْجِ الثَّانِي، وَالْآخَرُ: ظَنُّهُمَا إِقَامَةَ حُدُودِ اللَّهِ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ: إِنْ لَمْ يَظُنَّا، وَمَعْنَى الظَّنِّ هُنَا تَغْلِيبُ أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَعْنَى الْخَوْفِ فِي آيَةِ الْخُلْعِ مَعْنَى الظَّنِّ، لِأَنَّ مَسَاقَ الْحُدُودِ مَسَاقٌ وَاحِدٍ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ الْمَعْنَى: أَيْقَنَّا، جَعَلَ الظَّنَّ هُنَا بِمَعْنَى الْيَقِينِ، وَضَعُفَ قَوْلُهُمْ بِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، إِذْ هُوَ مَغِيبٌ عَنْهُمَا.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمَنْ فَسَّرَ الْعِلْمَ هُنَا بِالظَّنِّ فَقَدْ وَهِمَ مِنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى:
لِأَنَّكَ لَا تَقُولُ: عَلِمْتُ أَنْ يَقُومَ زَيْدٌ، وَلَكِنْ: عَلِمْتُ أَنَّهُ يَقُومُ زَيْدٌ، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْلَمُ مَا فِي الْغَدِ، وإنهم يَظُنُّ ظَنًّا. انْتَهَى كَلَامُهُ.
(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٢٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute