للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَا لِذَوِي حَالٍ جَازَ، نَحْوَ: لَقِيتُ زَيْدًا مُصْعِدًا مُنْحَدِرًا فَأَمَّا إِذَا كَانَا لِذِي حَالٍ وَاحِدٍ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، فَفِي إِجَازَةِ ذَلِكَ خِلَافٌ. ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَقْضِيَ مَصْدَرَيْنِ، وَلَا ظَرْفَيْ زَمَانٍ، وَلَا ظَرْفَيْ مَكَانٍ، فَكَذَلِكَ لَا يَقْضِي حَالَيْنِ. وَخَصَّصَ أَهْلُ هَذَا الْمَذْهَبِ هَذَا الْقَوْلَ بِأَنْ لَا يَكُونَ الثَّانِي عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ، أَوْ مَعْطُوفًا، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَا كَذَلِكَ جَازَتِ الْمَسْأَلَةُ. قَالَ: بَعْضُهُمْ: إِلَّا أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ، فَإِنَّهَا تَعْمَلُ فِي ظَرْفَيْ زَمَانٍ، وَظَرْفَيْ مَكَانٍ، وَحَالَيْنِ لِذِي حَالٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عُصْفُورٍ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَعْمَلَ فِي حَالَيْنِ لِذِي حَالٍ وَاحِدٍ، وَإِلَى هَذَا أَذْهَبُ، لِأَنَّ الْفِعْلَ الصَّادِرَ مِنْ فَاعِلٍ، أَوِ الْوَاقِعَ بِمَفْعُولٍ، يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُ فِي زَمَانَيْنِ، وَفِي مَكَانَيْنِ. وَأَمَّا الْحَالَانِ فَلَا يَسْتَحِيلُ قِيَامُهُمَا بِذِي حَالٍ وَاحِدٍ، إِلَّا إِنْ كَانَا ضِدَّيْنِ، أَوْ نَقِيضَيْنِ. فَيَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: جَاءَ زيد ضاحكا راكبا، لأنه لَا يَسْتَحِيلُ مَجِيئُهُ وَهُوَ مُلْتَبِسٌ بِهَذَيْنِ الْحَالَيْنِ. فَعَلَى هَذَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ مِنَ الْفَرْقِ يَجُوزُ أَنْ يَجِيءَ الْحَالَانِ لِذِي حَالٍ وَاحِدٍ، وَالْعَامِلُ فِيهِمَا وَاحِدٌ.

أُولَئِكَ: اسم أُشِيرَ بِهِ إِلَى الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ، الْجَامِعِينَ لِلْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ مِنْ دَعْوَى الْإِصْلَاحِ، وَهُمُ الْمُفْسِدُونَ، وَنِسْبَةُ السَّفَهِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُمُ السُّفَهَاءُ، وَالِاسْتِخْفَافُ بِالْمُؤْمِنِينَ بِإِظْهَارِ الْمُوَافَقَةِ وَهُمْ مَعَ الْكُفَّارِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ، بِضَمِّ الْوَاوِ.

وَقَرَأَ أَبُو السِّمَاكِ قَعْنَبٌ الْعَدَوِيُّ: اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْفَتْحِ. وَلِاعْتِلَالِ ضَمَّةِ الْوَاوِ وُجُوهٌ أَرْبَعَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي النَّحْوِ، وَوَجْهُ الْكَسْرِ أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، نَحْوُ: وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا «١» ، وَوَجْهُ الْفَتْحِ اتِّبَاعُهَا لِحَرَكَةِ الْفَتْحِ قَبْلَهَا. وَأَمَالَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ الْهُدَى، وَهِيَ لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ، وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ، وَهِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ. وَالِاشْتِرَاءُ هُنَا مَجَازٌ كَنَّى بِهِ عَنِ الِاخْتِيَارِ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلشَّيْءِ مُخْتَارٌ لَهُ مُؤْثِرٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اخْتَارُوا الضَّلَالَةَ عَلَى الْهُدَى، وَجَعَلَ تَمَكُّنَهُمْ مِنِ اتِّبَاعِ الْهُدَى كَالثَّمَنِ الْمَبْذُولِ فِي الْمُشْتَرَى، وَإِنَّمَا ذَهَبَ فِي الِاشْتِرَاءِ إِلَى الْمَجَازِ لِعَدَمِ الْمُعَاوَضَةِ، إِذْ هِيَ اسْتِبْدَالُ شَيْءٍ فِي يَدِكَ لِشَيْءٍ فِي يَدِ غَيْرِكَ، وَهَذَا مَفْقُودٌ هُنَا.

وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الِاشْتِرَاءَ هُنَا حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ، وَالْمُعَاوَضَةُ مُتَحَقِّقَةٌ، ثُمَّ رَامُوا يُقَرِّرُونَ ذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ لِأَنَّهُ على كل تقدير يؤول الشِّرَاءُ فِيهِ إِلَى الْمَجَازِ، قَالُوا:

إِنْ كَانَ أَرَادَ بِالْآيَةِ الْمُنَافِقِينَ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ، فَقَدْ كَانَ لَهُمْ هُدًى ظَاهِرٌ مِنَ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَةِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْغَزْوِ، وَالْقِتَالِ. فلما لم تصدق


(١) سورة الجن: ٧٢/ ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>