للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما تقدم النهي عن مَا ذَكَرْنَاهُ، سَامَحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ مَا كَانَ يَسْبِقُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ عَلَى سَبِيلِ اللَّغْوِ، وَعَدَمِ الْقَصْدِ لِلْيَمِينِ، لَا يُؤَاخَذُونَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُؤَاخَذُ بِمَا انْطَوَى عَلَيْهِ الضَّمِيرُ، وَكَسَبَهُ الْقَلْبُ بِالتَّعَهُّدِ، ثُمَّ خَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ مِنْ صِفَةِ الْغُفْرَانِ وَالْحِلْمِ.

وَلَمَّا تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَحْكَامِ مَعَ النِّسَاءِ ذَكَرَ حُكْمَ الْإِيلَاءِ مَعَ النِّسَاءِ، وَهُوَ: الْحَلِفُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهِنَّ، فَجَعَلَ لِذَلِكَ مُدَّةً، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَقْصَى مَا تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا غَالِبًا، ثُمَّ بَعْدَ انْتِظَارِ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَانْقِضَائِهَا إِنْ فَاءَ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لَا يُؤَاخِذُهُ بَلْ يُسَامِحُهُ فِي تِلْكَ الْيَمِينِ، وَإِنْ عَزَمَ الطَّلَاقَ أَوْقَعَهُ.

وَلَمَّا جَرَى ذِكْرُ الطَّلَاقِ اسْتَطْرَدَ إِلَى ذِكْرِ جُمْلَةٍ مِنْ أَحْكَامِهِ فَذَكَرَ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ وَأَنَّهَا:

ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ، وَدَلَّ ذِكْرُ الْقُرْءِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُطَلَّقَاتِ هُنَّ النِّسَاءُ اللَّوَاتِي يَحِضْنَ وَيَطْهُرْنَ، وَلَمْ يُطَلَّقْنَ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَلَا هُنَّ حَوَامِلُ، وَدَلَّ عَلَى إِرَادَةِ هَذِهِ الْمُخَصَّصَاتِ آيَاتٌ أُخَرُ، وَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُنَّ كِتْمَانُ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ، فَعَمَّ الدَّمَ وَالْوَلَدَ لِأَنَّهُنَّ كُنَّ يَكْتُمْنَ ذَلِكَ لِأَغْرَاضٍ لَهُنَّ، وَعَلَّقَ ذَلِكَ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَهُوَ الْخَالِقُ مَا فِي أَرْحَامِهِنَّ، وَعَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْحِسَابُ، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى مَا يَرْتَكِبُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَتَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَمُخَالَفَتِهِ فِيمَا شَرَعَ.

ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ أَزْوَاجَهُنَّ الَّذِينَ طَلَّقُوهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ، وَشَرَطَ فِي الْأَحَقِّيَّةِ إِرَادَةَ إِصْلَاحِ الْأَزْوَاجِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَصَدَ بِرَجْعَتِهَا الضَّرَرَ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِالرَّدِّ، ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ لِلزَّوْجَةِ حُقُوقًا عَلَى الرَّجُلِ، مِثْلَ مَا أَنَّ لِلرَّجُلِ حُقُوقًا عَلَى الزَّوْجَةِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ بِإِيفَاءِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ لِلرَّجُلِ مَزِيدَ مَزِيَّةٍ وَدَرَجَةٍ عَلَى الْمَرْأَةِ، فَيَكُونُ حَقُّ الرَّجُلِ أَكْثَرَ، وَطَوَاعِيَةُ الْمَرْأَةِ لَهُ أَلْزَمَ، وَلَمْ يُبَيِّنِ الدَّرَجَةَ مَا هِيَ، وَيَظْهَرُ أَنَّهَا مَا يُؤْلَفُ مِنْ كَثْرَةِ الطَّوَاعِيَةِ، وَالِاهْتِبَالِ بِقَدْرِهِ، وَالتَّعْظِيمِ لَهُ، لِأَنَّ قَبْلَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي عَرَفَهُ النَّاسُ فِي عَوَائِدِهِمْ مِنْ كَثْرَةِ تَوَدُّدِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَامْتِثَالِ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَخَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ بِوَصْفِ الْعِزَّةِ وَهِيَ: الغلبة، والقهر و: الحكمة، وَهِيَ وَضْعُ الشَّيْءِ مَوْضِعَ مَا يَلِيقُ بِهِ، وَهُمَا الْوَصْفَانِ اللَّذَانِ يَحْتَاجُ إِلَيْهِمَا التَّكْلِيفُ.

ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ فِيهِ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ فِي تِلْكَ الْعِدَّةِ، هُوَ مَرَّتَانِ طَلْقَةٌ بَعْدَ طَلْقَةٍ وَبَعْدَ وُقُوعِ الطَّلْقَتَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَرُدَّهَا وَيُمْسِكَهَا بِمَعْرُوفٍ، أَوْ يُسَرِّحَهَا بِإِحْسَانٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>