للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: التَّكْرَارُ فِي: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ كَرَّرَ اللَّفْظَ لِتَغْيِيرِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَهُوَ غَايَةُ الْفَصَاحَةِ، إِذِ اخْتِلَافُ مَعْنَى الِاثْنَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْبُلُوغَيْنِ.

الرَّابِعُ: الِالْتِفَاتُ فِي وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ فَقَالَ: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ وَفِي الْآيَةِ، فِي قَوْلِهِ: ذَلِكَ، إذ كَانَ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: مِنْكُمْ.

الْخَامِسُ: التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ، التَّقْدِيرُ، أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا تَرَاضَوْا.

السَّادِسُ: مُخَاطَبَةُ الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، أَوْ فِي أُخْتِ جَابِرٍ، وَقِيلَ ابْنَتُهُ.

وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ تَعَالَى، لَمَّا ذكر جُمْلَةً فِي: النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعِدَّةِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالْعَضْلِ، أَخَذَ يَذْكُرُ حُكْمَ مَا كَانَ مِنْ نَتِيجَةِ النِّكَاحِ، وَهُوَ مَا شُرِعَ مِنْ حُكْمِ: الْإِرْضَاعِ وَمُدَّتِهِ، وَحُكْمِ الْكُسْوَةِ، وَالنَّفَقَةِ، عَلَى مَا يَقَعُ الْكَلَامُ فِيهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَالْوالِداتُ جَمْعُ وَالِدَةٍ بِالتَّاءِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ: وَالِدٌ، لَكِنْ قَدْ أَطْلَقَ عَلَى الْأَبِ وَالِدٌ، وَلِذَلِكَ قِيلَ فِيهِ وَفِي الْأُمِّ الوالدان فَجَاءَتِ التَّاءُ فِي الْوَالِدَةِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ مِنْ حَيْثُ الْإِطْلَاقِ اللُّغَوِيِّ، وَكَأَنَّهُ رُوعِيَ فِي الْإِطْلَاقِ أَنَّهُمَا أَصْلَانِ لِلْوَلَدِ، فَأُطْلِقَ عَلَيْهِمَا: وَالِدَانِ.

وَظَاهِرُ لَفْظِ: الْوَالِدَاتِ، الْعُمُومُ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَاتُ وَالْمُطَلَّقَاتُ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُهُمَا: فِي الْمُطَلَّقَاتِ، جَعَلَهَا اللَّهُ حَدًّا عِنْدَ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ، فَمَنْ دَعَا مِنْهُمَا إِلَى إِكْمَالِ الْحَوْلَيْنِ فَذَلِكَ لَهُ، وَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَالْوَالِدَاتُ، عُقَيْبَ آيَةِ الطَّلَاقِ، فَكَانَتْ مِنْ تَتِمَّتِهَا، فَشُرِعَ ذَلِكَ لَهُنَّ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَحْصُلُ فِيهِ التَّبَاغُضُ، فَرُبَّمَا حَمَلَ عَلَى أذى الولد، لأن بايذائه إِيذَاءُ وَالِدِهِ، وَلِأَنَّ فِي رَغْبَتِهَا فِي التَّزْوِيجِ بِآخَرَ إِهْمَالَ الْوَلَدِ.

وَقِيلَ: هِيَ فِي الزَّوْجَاتِ فَقَطْ، لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ لَا تَسْتَحِقُّ الْكُسْوَةَ، وَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ.

يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ صُورَتُهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ خَبَرًا، أَيْ: فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي شَرَعَهُ، فَالْوَالِدَاتُ أَحَقُّ بِرَضَاعِ أَوْلَادِهِنَّ، سَوَاءً كَانَتْ فِي حِيَالَةِ الزَّوْجِ أَوْ لَمْ تَكُنْ، فَإِنَّ الْإِرْضَاعَ مِنْ خَصَائِصِ الْوِلَادَةِ لَا مِنْ خَصَائِصِ الزَّوْجِيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>