للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْمَعَادِ، وَأَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، فَيَلِيقُ بِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَعْمَلَ لِمَعَادِهِ: بِأَنْ يُحَافِظَ عَلَى عِبَادَةِ ربه، وأن يوفي حُقُوقِ عِبَادِهِ.

وَقِيلَ: لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى حُكْمَ النِّكَاحِ، بَيَّنَ حُكْمَ الْقِتَالِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ تَحْصِينٌ لِلدِّينِ، وَالْقِتَالَ تَحْصِينٌ لِلدِّينِ وَالْمَالِ وَالرُّوحِ، وَقِيلَ: مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا: هُوَ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ:

كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ «١» ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ لِأَنَّهَا مِنْ عَظِيمِ آيَاتِهِ، وَبَدَائِعِ قُدْرَتِهِ.

وَهَذِهِ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ دَخَلَتْ عَلَى حَرْفِ النَّفْيِ، فَصَارَ الْكَلَامُ تَقْرِيرًا، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُ عَلِمَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَعْرِفْهَا إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَمَعْنَاهُ التَّنْبِيهُ وَالتَّعَجُّبُ مِنْ حَالِ هَؤُلَاءِ، وَالرُّؤْيَةُ هُنَا عِلْمِيَّةٌ، وَضُمِّنَتْ مَعْنَى مَا يتعدّى بإلى، فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَدَّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَلَمْ يَنْتَهِ عِلْمُكَ إِلَى كَذَا.

وَقَالَ الرَّاغِبُ: رَأَيْتُ، يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ دُونَ الْجَارِّ، لَكِنْ لَمَّا اسْتُعِيرَ قَوْلُهُمْ: أَلَمْ تر المعنى: أَلَمْ تَنْظُرْ، عُدِّيَ تَعْدِيَتَهُ، وَقَلَّمَا يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ التَّقْرِيرِ، مَا يُقَالُ: رَأَيْتُ إِلَى كَذَا. انْتَهَى.

وَ: أَلَمْ تَرَ، جَرَى مَجْرَى التَّعَجُّبِ فِي لِسَانِهِمْ، كَمَا جَاءَ

فِي الْحَدِيثِ: «أَلَمْ تَرَ إِلَى مُجَزِّزٍ!» وَذَلِكَ فِي رُؤْيَتِهِ أَرْجُلَ زَيْدٍ وَابْنِهِ أُسَامَةَ، وَكَانَ أَسْوَدَ، فَقَالَ هَذِهِ الْأَقْدَامُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَ عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ: «أَلَمْ تَرَ إِلَى مُجَزِّزٍ!»

الْحَدِيثَ.

وَقَدْ جَاءَ هَذَا اللَّفْظُ فِي الْقُرْآنِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا «٢» أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ «٣» أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ «٤» وَقَالَ الشَّاعِرُ:

أَلَمْ تَرَيَانِي كُلَّمَا جِئْتُ طَارِقًا ... وَجَدَتُ بِهَا طِيبًا وَإِنْ لَمْ تُطَيَّبِ

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ سَامِعٍ.

وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ: تَرْ، بِسُكُونِ الرَّاءِ، قَالُوا: عَلَى تَوَهُّمٍ أَنَّ الرَّاءَ آخِرُ الْكَلِمَةِ، قال الراجز:


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٤٢.
(٢) سورة الحشر: ٥٩/ ١١.
(٣) سورة المجادلة: ٥٨/ ١٤.
(٤) سورة الفرقان: ٢٥/ ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>